كلٌ يُغني على ليلاه

غزل حسين المصطفى:

كلٌ يغني على ليلاه، أمّا نحن الشعوب العربيّة فكلٌ ينتحب على رأس فقيده متفجّعاً بحاله، ما عادت تسنح لنا الفرص حتى نقدّم لجيراننا من الدول العربية واجب العزاء أو المواساة، في حين كنّا قد اتخذنا القضية الفلسطينية فقيداً عزيزاً مشتركاً لنا كلنا، كنّا متأهبين أمام غرفة العناية الإلهية والسياسية علنّا نسمع خبراً يُثلج الصدور بعودة شرايين فلسطين لتكون واحدةً غير مُقطعة. ونزغرد لآلاف الولادات الجديدة ونحن نؤمن أنها ستبني لا أننا نزغرد لها لأنها جاءت لتُكمل مسيرة نضال شائك ويتحوّل كل طفل إلى مشروع شهيد من أبناء الحجارة.

ما ترددتُ يوماً لو قيل لي ستكونين النذر الذي يوقف شلال دماءٍ منسكب، أو أن قلبي سيَفي بالغرض وتكون نقطة في آخر السطر لروايةٍ عتيقة ستُقفل فوق جثمانك ونُعلن الانتصار والحرية، وهذا حال الكثير، فقط كنّا نريد الحل بأيّ ثمن ومازلنا، ولكن ازداد وضع القضية سوءاً، لم نعد ننتظر حال فلسطين وحدها، بل بات لكل دولةٍ عربيةٍ قضية مستعصية على الحل، تدور في فلك اللعبة السياسية، تبدو لك ظاهرياً أنها منفردة لم تتأثّر بحال غيرها، ولكن حقيقة الموضوع هي أن يداً واحدة تُقطع فلسطين إلى أشلاء، تمتص الدماء السورية، تُفخّخ الوضع في لبنان، وتحقن العراق بالأمراض السارية، وتفعل وتفعل.

بغضّ النظر عن الغاية السياسية أو أيّ نوعٍ تندرج تحته هذه التصرفات، لستُ بصدد تحليلها، أولاً لأنني لستُ محلّلة سياسية ولا عسكرية، ولم يسبق لي أن خضتُ في الاقتصاد والحروب. وثانياً وهو الأهم ماذا يضمن لي أن أقول رأيي وتحليلي ولا يقوم الجاني الحقيقي بتحليل وجودي لذراتٍ تُعطّر أنفاسه برائحة الرماد وينتشي منتصراً، لذلك وكما كل القضايا التي هي أكبر منّي ومنّا جميعاً سأكون نائحة أحثو رأسي بالتراب وأكفّن نفسي بالسواد، وصوت نواحي وبكائي يجذب كل القلوب الجريحة فتجلس بجانبي لتكتمل حلقة الحزن الأبدي، وعلى الله نُعلّق الأماني.

ودائماً ما كنت أسأل كيف لشمّاعة الأحلام العربية أن تتحمّل كل هذه الأعباء!؟

فملايين أو مليارات القلوب المُشبعة بالعروبة قد أوقدت البخور ورتّلت الصلوات وعقدت شرائط الأماني عليها لتتحرر فلسطين ونُصلي في القدس جميعاً، ليزهر الليمون في غزّة الجريحة فيثمل الجرح ويندمل من تلقاء نفسه. واليوم وعلى الشمّاعة ذاتها تعدّدت القضايا وما نرى إلاّ السواد في أيامنا يزداد، وغبار البؤس والخيبة يُغيّر ملامح وجوهنا الشاحبة، ونعود إلى النقطة نفسها بخورٌ مُشتعل، وصلوات تؤدى، وننتظر الخبر الأخير عن حال أوطاننا من فوق أَسِرّتها البيضاء بين طاولات الحوار المستديرة وقبب السياسة الفخمة!

هل من مُتبرع لإنقاذهم، لا بل ليُجالسني لمدة ربع قرن يشرح لي أركان القضية، وأسباب التكالب والسرقة، ويُخبرني عن قصّة سحب الأعصاب وروح الفداء والحميّة من قوم الضّاد!

هل من متبرع؟

 

العدد 1102 - 03/4/2024