الدولار والمعيشة والانتظار
سنان علي ديب:
جاءت المتغيرات الأخيرة محلياً وإقليمياً دقت ناقوس الخطر في أغلب الدول ومنها سورية، وجهرت علناً بأن الحرب الاقتصادية مستمرة عبر سياسات مركبة لا تقتصر على العقوبات والحصار، ولكن خيارات الإرهاب الاقتصادي موجودة بكثرة، وهذا ما انعكس على سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، فوصل إلى أرقام فلكية لم يصلها في أحلك الظروف. فخلال مراحل الحرب الإرهابية على بلدنا حصلت بعض المضاربات وقفز الدولار إلى أرقام عالية، ولكنها كانت آنية ومؤقتة، ثم عاد للانخفاض إلى أدنى من الرقم الذي كان قبل المضاربة، وذلك رغم الوضع في الميدان وحجم المناطق غير المحررة والقيود، فأهم قفزات الدولار في بدء الأزمة، عندما وصل إلى سعر ١٣٠ ليرة، وبعد الضغط واستخدام بعض الأدوات عاد ليستقر على ٨٠ ليرة، و كذلك عندما وصل إلى سعر ٣٢٠ ليرة ثم هبط تدريجياً واستقر دون ١٢٠ ليرة. وكان تصرف حاكم المصرف المركزي برفع سعر صرف الدولار التصديري ثم عاد للارتفاع، وكذلك عندما وصل إلى حدود ٦٢٠ ليرة، وبعد الضغوط هبط دون ٣٥٠ ليرة، وثبته حاكم مصرف سورية السابق عند ٣٧٠ ليرة. وأتى الحاكم الجديد وثبّته عند ٤٣٠ ليرة. والملاحظ أن كل التخبطات كانت في طور انتصارات واستعادة أراضٍ جديدة من قبل المؤسسة العسكرية، وزيادة حجم الموارد الاقتصادية، وكنا نحذر من عدم اللامبالاة في فرض سعر كبير لنكون جاهزين استراتيجياً لأي متغيرات، وكذلك عدم البذخ وعدم التهاون باستيراد غير الضرورات من سيارات وعطور وتجهيزات يوجد بدائل محلية لها. ونفقات خارجية لوفود وغيرها أكبر مما كانت قبل الأزمة، ولكن كأن هذه الأمور لم تؤخذ بعين الاعتبار. المهم كان اللعب على إضعاف الحالة النفسية وتحطيم الثقة هي الغاية من المضاربات والحرب الاقتصادية وإضعاف الليرة، ولكن رغم كل الظروف لم يستطيعوا النيل من صمود شعبنا وجيشنا، وكانت الأمور تسير نحو العلاج. وفي الفترة الأخيرة وبعد الإضرابات في الدول المحيطة وخاصة لبنان، أصبح الضغط على الليرة والمضاربة بها مقابل الدولار كبيراً، وتأثيره النفسي قوياً، فوصل سعر الصرف فيما يسمى السوق السوداء إلى حدود ٧٦٠ ليرة. ورغم عدم الاعتراف بهذه السوق ولا بالصفحات الفيسبوكية التي تحاول تكريسها واللعب على الحالة النفسية إلا أن تأثيرها النفسي كان كبيراً، وكيف لا والأسعار أصبحت تزداد بسرعة ومن دون أي خوف أو وجل، رغم عدم تأثر البضائع والسلع، فما زالت الحكومة تموّل الضروريات، ولكن المضاربات بالدول المجاورة وعدم القيام بأي سياسات رادعة جعل الحالة النفسية والشعبية مضروبة، وجيّشت حالة من الخوف عند العموم وجعلت ما كان حاجة أصبح ضرورة، .وقامت الحكومة بزيادة الرواتب في الوقت المناسب وسط حرب اقتصادية مستعرة تخاض ضد سورية بعد الفشل بالميدان العسكري وانتصارات كبيرة حققها الجيش العربي السوري أعادت العافية للحياة الاقتصادية ووسط صمود وصبر شعبي أسطوري لبلد كانت بدايتها تدمير مقومات المعيشة والطاقات الإنتاجية بتكاليف تفوق ٦٠٠ مليار دولار لم تستثنِ مجالاً، من الزراعة عبر سرقة المحاصيل وقطع الأشجار، والصناعة عبر تدمير ممنهج للقطاع العام الذي كان عصياً على القتل السريري، وعبر حرماننا من عوائد السياحة، واحتلال مصادر الطاقة. هذا الوضع قلّص الإمكانيات والموارد لدرجة أصبح تحديد الطلب عبر تضخم مسيطر عليه ضرورة فارتفع إلى ما يفوق ١٣٠٠ بالمئة، وأصبح المبلغ المطلوب لأسرة مؤلفة من ٥ أشخاص يفوق ٣٥٠ ألف ليرة. وترافق ذلك مع حصار وعقوبات ارهابية هدفها تهشيم الصبر الصلب لشعبنا وجرّ البلد لوضع تصبح به دولة فاشلة. ورغم الحكمة والعقلانية ضمن الممكن بإدارة الأزمات المفتعلة المتوالية وجدوا المضاربة على الدولار من أدوات على الشريط الحدودي والدول المجاورة وسط صبر وصمود الإدارة الأزموية، فالأحداث الأخيرة بالمحيط زادت الضغط والخوف وسط تلاعب المحتكرين والتجار وضعف فعالية المؤسسات المنوط بها ضبط الأسعار عبر المراقبة أو التدخل الإيجابي، فارتفعت الأسعار وسط قصور القدرة الشرائية للمواطن ووسط طبقة همّها البذخ والترف وكأن الوطن لا يعنيها، وأدوات همّها الجشع والربح بمعزل عن تسهيلات الحكومة وما قدمته لهم سابقاً وطبقة كبيرة أغلبها دخل ضمن خط الفقر.
وسط هذه المعطيات جاءت الزيادة لتسد حاجة الأغلبية ضمن قدرات الدولة وضمن محاولة انتشارها أفقياً. من المؤكد تبقى الفجوة كبيرة ولكن الزيادة جيدة وخطوة من خطوات السير للأمام ورفع القدرة المعيشية للمواطنين وتحريك السوق لأن الكتلة النقدية سوف تسخر للاستهلاك وتستفيد منه الأغلبية. وهنا لابد من العمل لفرضها على القطاع الخاص الذي غالباً لا يلتزم بقرارات كهذه.
وبصراحة كنا سابقاً ممن رأوا أن تنزيل الاسعار وتخفيض التضخم عبر تنزيل سعر الصرف وتخفيض أسعار الطاقة وضبط الأسعار قد تزيد القدرة الشرائية أضعاف المبلغ المالي، ولكن شدة الحرب الاقتصادية عبر اللعب على الوتر النفسي وعبر استمرارية احتلال مصادر الطاقة وعبر اللعب المستمر بالأسعار وسط تراخي ممن أوكل لهم ضبطها، أصبحت الزيادة ضرورة وجاءت في وقتها. من المؤكد أننا سرنا بمسيرة التقشف والتقنين وسنستمر ما دام بقاء الوطن وقوّته تقتضيان هذه الاستراتيجية.
ولكن يجب التنبيه أن هذه الزيادة يجب ان توحد الخندق لفرض الأسعار الوطنية التي ترضي الجميع بقوة القانون، وكذلك الاستمرار بمواجهة مضاربي الدولار واستمرار الإصلاح الإداري للإحاطة بالفساد للحالة الصفرية.
ضمن الظروف الزيادة كانت جيدة وهي خطوة صحيحة لمواجهة الإرهاب الاقتصادي، ويجب أن تكون دافعاً للانطلاقة الاقتصادية الصحيحة والتي تعيد الطبقة الوسطى عماد النمو والتنمية للسيطرة على المجتمع.
وبالتالي قد تكون الزيادة علاج مؤقت ولكن العمل لمواجهة مضاربات سعر الصرف عبر حلول مركبة تتعاون بها كل مؤسسات الدولة، فلا يمكن للمركزي أن يواجهها وحيداً وخاصة أن التأثير الأكبر من خارج الحدود.
ويكون الحل بتجفيف السوق السوداء التي تعمل علنية، وترشيد الاستهلاك لما هو ضروري بالمدى القصير وضبط حركة تنقل العملات وخاصة السورية. وهنا لابد من التذكير بالأرقام المخيفة لسوريين جمدت تتراوح بين ٢٥ و٣٠ مليار دولار كانت وسيلة تمويل صفقات و تأمين مستلزمات للبعض، وأصبحوا يبحثون عن بدائل للعملة الصعبة وتحديد المبالغ المسموح بها واستمرار العمل بتفعيل استثمار الموارد والإمكانات عبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة وضبط حقيقي للأسعار عبر قوانين صارمة عادلة لا تصيب الصغار وتظلمهم وخاصة في ظل السلوكيات السابقة لهذه الوزارة، الثقة معدومة بأدائها اللا منضبط وقد يلوح بتغيير الأوراق النقدية بشكل تدريجي بأوراق للاستعمال الداخلي لتخفيف المضاربات التي تجري في البلدان المحيطة، احتواء هذه الحملة ركيزة لاستمرار التعافي والانطلاقة الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة والتي كل المؤشرات تدل عليها في المدى المتوسط في حال الاستثمار الصحيح للظروف.