بلا عنوان (10)
رمضان إبراهيم:
الدموع التي تدافعت بغزارة كانت كافية لتخبرنا عن حجم الأسى والحزن الذي يكللها ويثقلها.
لم تستطع أن تخفي ما بداخلها، على الرغم من الابتسامة الخريفية التي أظهرتها وهي تلقي علينا تحية المساء.
السيدة العجوز التي بات السرير ملجأها الدافئ مازالت تكابد مرضاً خبيثاً داهمها ذات سنة قاسية فقدت خلالها العديد من أقاربها.
ضمتها بعنف وتبادلا الدموع وزفرات الحزن المر الذي بات علامة استوطنت مقلتيها منذ سنوات عديدة.
تنهدت بأسى، وغصّت بكلمات تكاد أن تخنقها، ثم ابتعدت عن السيدة العجوز وجلست على طرف السرير.
الاتصال الذي أخرجها قليلاً من حالتها كان يلح عليها أن تعود إلى المنزل، المنزل الذي يذوي دون رائحتها وضحكها وضجيجها أحياناً.
استحلفته بكل ما يحب وبكل ما يؤمن أن يدعها لليلة واحدة فقط، ليلة واحدة ستنام فيها في سرير والدتها التي رحلت قبل أشهر.
أقسم بروحها وروح والدي إنني سأبقى هذه الليلة هنا! قالت ذلك وهي تغالب دموعها ثم ما لبثت أن انتفضت وعادت إلى شخصيتها القوية والصارمة في اتخاذ القرار وقالت:
لن أغادر المكان هذه الليلة! اسمع ما سأقوله لك:
هذه الليلة سأرتوي برائحة أمي، في سريرها، سأحتضن غيابها في حضور ذكراها، سأتحدث إليها وأشكو لها ما بقلبي من جمر يكويني كلما خفق فؤادي بحبها.
أغلقت الهاتف، ثم نظرت عبر الأفق المشوش بغيوم الشتاء.