إلى أين يقود التخبط الاقتصادي للحكومة السورية مع تفاقم الفساد وغياب سلطة القانون؟

يوسف فرحة:

إن الموقف من حماية القطاع العام (قطاع الدولة) بدأ يتراجع منذ حوالي خمسة عشر عاماً، فقد اتُّبعت مختلف الأساليب لتطفيش العمال منه عبر إدارات فاسدة ومديرين متسلطين مدعومين فاسدين، أُعطوا صلاحيات مطلقة، مما أدى الى إنهاك هذا القطاع، فلجأت الدولة إلى إدخال شركات رأسمالية استثمارية، فدخلت الشركات المنتجة منها على سبيل المثال شركة إسمنت طرطوس التي أعطيت لشركة فرعون ونحن نعلم كم هي معاناة العاملين هناك.

واليوم أعطت الحكومة مرفأ طرطوس وشركة الأسمدة بحمص لشركة رأسمالية استثمارية روسية S.T.G.E لما يقارب خمسين عاماً، وكأن الحكومة تريد التخلص من هذه المنشآت الاقتصادية الضخمة التي مكّنت سورية من الصمود بوجه كل العقوبات الاقتصادية والحصار الذي فرضته علينا الإمبريالية العالمية منذ ثمانينات القرن الماضي.

جرى تسليم الشركة العامة للأسمدة بحمص إلى الشركة الروسية S.T.G.E على أن تشغِّل الشركة مقابل تقاسم صافي الأرباح بنسبة 35% لسورية و65% للشركة الروسية، علماً أن الشركة العامة للأسمدة لديها مستودعات تحتوي على مواد كيميائية ووسائط إنتاجية وقطع تبديلية مستوردة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، أعتقد أنه لم يجر حساب قيمتها الحقيقية لصالح الدولة السورية. واللافت للانتباه أن الشركة الروسية لم تحضر معها سوى ثلاثين خبيراً فقط، وهم ليسوا على مستوى ولا يستطيعون تشغيل حتى قسم واحد من أقسام الشركة، ولكنهم أحضروا 100 عسكري لضبط الأمن، وتبين لنا أن هناك في حقيقة الأمر شركة وسيطة (سمسار) سورية هي شركة صدى، وهذه الشركة الوسيطة هي من يقوم بتوثيق العقود مع العمال.

قضية مهمة أخرى هي أن تشغيل الشركة يجري بأيدي عمالنا وليس من قبل أحد آخر، حتى أن الروس وكذلك الشركة الوسيطة لم تكلّف نفسها القيام بعمرة فنية وصيانة للآلات وللأقسام الإنتاجية التي هي بحاجة ماسة لها قبل الإقلاع، مما فاقم الوضع وزاد التلوث إلى درجة كبيرة أوقعت حالات من الاختناق والتسمم والإسعاف إلى المشافي بين أهالي قرية قطينة المجاورة للشركة وبين عمال الشركة ذاتها، أدت إلى توقف قسري للإنتاج بعد الاحتجاج الذي قام به أهالي قطينة بشكل جماعي على أبواب الشركة مطالبين بإيقافها فوراً، وقد جرى توقيف عمال الوردية الليلية وسجنهم في الشركة من قبل الروس، مما أدى لصدامات جرت بين العمال والنقابة من جهة، والشركة الروسية من جهة أخرى.

يبدو أول الرقص حنجلة، فالملاحظ أن:

1- الشركة الوسيطة (صدى) هي الأساس في الصفقة، وهي المسؤولة عن العقود التي يتم إبرامها مع العمال، وبراتب لا يتعدى الـ 70 – 75 ألف ليرة سورية مع خسارة للطبابة واللباس العمالي، وأهم من ذلك القضية التأمينية.

2- نجد أن إصابات العمل لا تسجل بشكل نظامي ولا ينظّم تقرير عن إصابة العمل من أجل حماية العامل ومتابعة علاجه إن لزم الأمر، فقد تعرض أحد العمال لحادثة عمل وأسعف إلى مشفى الحارث وليس إلى مشفى تخصصي ولا للمشفى العمالي، والملاحظ أنه وُضع سقف للطبابة 1000000 ليرة سورية بالعام، بينما كانت مفتوحة وليست مسقوفة.

3- لم يوزع اللباس العمالي، وتجري الضغوط على العمال من أجل تقديم الاستقالة من شركة الأسمدة، وعمل عقد مع شركة صدى على أساس القانون 17 لعام 2010 أي انتقال العامل من العمل على أساس قانون العاملين الأساسي في الدولة رقم 50 مما يرتب خسائر كبيرة على العاملين في تعويض نهاية الخدمة، أو في معاش الشيخوخة وقطع في الخدمة لا يغطيها قانون التأمينات الاجتماعية بين العمل في القطاع العام والعمل في القطاع الخاص، ولا بد من تعديل القانون قبل نقل العمال للحفاظ على حقوقهم التقاعدية.

في اجتماع مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال الذي عقد منذ أيام عُرض وضع عمال شركة الأسمدة وطرح التنظيم النقابي مخاوفه من هذا الوضع، وأكد ضرورة الحفاظ على حقوق العمال، وكان السيد هلال هلال حاضراً، وأبدى عدم تخوفه على حقوق العمال.

أعتقد أن هذا الموقف لا يستند إلى واقعية في الطرح، لسبب أن قانون التأمينات الاجتماعية يحتاج الى دراسة وتعديل حقيقي وليس إلى خطابات مرتجلة، وأنا أدعوه إلى زيارة الشركة والاستماع إلى عمالنا ومعاناتهم.

جرى استبيان بين العمال بخصوص العقد مع الشركة الروسية فكانت النتيجة 90% من العمال يرفضون العقد على أساس القانون 17، ويفضلون البقاء في الشركة والعمل على أساس قانون العاملين الأساسي في الدولة رقم 50.

جرى مؤخراً تشكيل لجنة لدراسة العقود الفردية المراد إبرامها مابين العاملين في الشركة العامة للأسمدة وشركة (صدى- ممثلة الشركة الروسية) وفقاً لأحكام قانون العمل رقم 17 للقطاع الخاص لعام 2010 وبما يضمن حقوقهم التقاعدية، والتأمين وسلامة الأجور والرواتب المعتمدة أساساً للمعاش التقاعدي وتحديد الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص ومعالجة أوضاع العاملين في ضوء ذلك.

محاولات تجري خلف الكواليس بين شركة صدى، والبيروقراطية المتنفذة، ونرجو ألا يدفع عمالنا الثمن، تخبط واضح والحلول مازالت غامضة.

العدد 1102 - 03/4/2024