تاريخ أنظمة أسعار الصرف العالمية
ريم الحسين:
1- قاعدة الصرف بالذهب (١٨٧٠- ١٩١٣): طُبّقت بشكل تلقائي ودون اتفاق مسبق، وكانت بريطانيا أول الدول، ثم ألمانيا، ومن بعدها الولايات المتحدة الأمريكية.
قواعد النظام:
– تثبيت سعر صرف العملة عند وزن معين من الذهب.
– السماح بالتحويل الحر بين العملة والذهب عند هذا السعر.
– عدم فرض عراقيل على استيراد الذهب وتصديره.
– إصدار العملة الوطنية بغطاء ذهبي فقط.
– يتحدد سعر العملة دولياً بحسب إجمالي العرض الدولي العالمي على الذهب، مثلاً أونصة ذهب = 40 دولاراً.
أونصة ذهب = 25 جنيهاً إسترلينياً.
إذاً 1 جنيه = 40\25= 1.60 دولار
أدى قيام الحرب العالمية الأولى إلى خروج الدول عن هذه القاعدة.
2- نظام بريتون ووردز Bretton Woods :
اجتمعت 44 دولة في مدينة Bretton Woods في نيوهامبشاير في أمريكا عام 1944 ووضعت نظاماً يهدف إلى تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف من خلال جمع فوائد نظامي أسعار الصرف الثابتة والمتغيرة، وسمّي نظام أسعار الصرف قابلة للتعديل.
يسمح هذا النظام للدولة التي لديها فائض أو عجز في ميزان مدفوعاتها أن ترفع أو تخفض من قيمة عملتها، ويعني هذا النظام أن كل دولة تحدد قيمة عملتها بوزن ثابت من الذهب أو الدولار، مع السماح بحدوث تقلبات في حدود 1 % صعوداً أو هبوطاً.
ونتيجة احتفاظ معظم المصارف المركزية في العالم بجزء كبير من احتياطياتها بالدولار أو أذونات الخزانة الأمريكية، أصبح الدولار عملة احتياطي رئيسية في العالم.
3- قاعدة الصرف الثابت بالدولار:
تحول نظام بريتون وودز إلى نظام صرف ثابت بالدولار، لأن كل دول العالم تقريباً عدا أمريكا أصبحت تملك احتياطياً كبيراً بالدولار، وهكذا صارت أمريكا دولة منفعلة بهذا النظام الدولي.
قواعد النظام: تحديد سعر تعادل العملة المحلية بالنسبة للدولار.
فشل نظام بريتون وودز نتيجة ثلاث مشاكل رئيسية:
* مشكلة السيولة:
النمو السنوي في عرض الذهب يبلغ 1 – 1.5 % في حين يساوي نمو التجارة الدولية وسطياً 7 %، ونتيجة عدم المساواة هذه حدثت أزمة سيولة.
* مشكلة ثقة:
الدولار عملة احتياطي دولي رئيسية وأمريكا مستعدة لبيع وشراء الذهب عند سعر الأونصة 35 دولاراً، لكن كمية الدولارات في المصارف الاجنبية يفوق حجم الذهب الذي تملكه أمريكا؛ بالتالي أصبح الوضع خطر.
* مشكلة تسوية:
واجهت العديد من الدول اختلالات في موازين مدفوعاتها ولم تستطع قوى نظام بريتون وودز من تصحيح هذه الاختلالات.
4- نظام التعويم المدار أو نظام التعويم الموجه managed floating system :
أوقف الرئيس الأمريكي نيكسون 1971 التزام أمريكا بتحويل احتياطيات الدولار إلى ذهب (وهو ركن نظام بريتون وودز) وترك تحديد سعر الصرف للعرض والطلب، ولكن مع تدخل الدولة عن طريق المصرف المركزي ومن خلال آلية العرض والطلب وتفاعل قوى البيع والشراء للتأثير على سعر الصرف.
ويعني قانون العرض أنه عندما يزيد عرض عملة ما (بيعها بشكل كبير) فإن سعرها ينخفض.
ويعني قانون الطلب أنه عندما يزيد الطلب على عملة ما (شراؤها بشكل كبير) فإن سعرها يرتفع.
يعمل قانون العرض والطلب وفق ما يدعى نظام أو آلية السوق، لتحويله إلى وضع التوازن وهما قوتان متعاكستان.
جاءت تسمية التعويم من العوم على الماء، فلو ترك أي شيء عائماً فوق البحر، فهو يكون عرضة لتحركات موجات المد والجزر وهي هنا العرض والطلب. فلو كان المد أقوى من الجزر تجد الجسم وصل إلى الشاطئ، في حين لو كان الجزر أقوى من المد تجد الجسم غاص في عرض البحر.
وتقوم الدول عادة عن طريق مصارفها المركزية بتحديد سعر صرف الدولار بشكل يومي، وذلك وفق سياستها المتبعة (في سوريا يتبع الربط إلى سلة عملات دولية لكن يشكل الدولار الوزن الأكبر منها)، وعندما ترغب الدولة بتعويم عملتها مقابل الدولار، فإن ذلك يعني أنه لن نرى نشرات أسعار صرف تصدر من المركزي تحدد لنا سعر الليرة مقابل الدولار، إنما قوى العرض والطلب على الليرة والدولار سوف تحددان سعر صرفها.
إذا كان الطلب على الدولار مقابل الليرة أكبر من العرض (أي الناس يرغبون بشراء الدولار أكثر من بيعه) فهذا يعني ارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر الليرة (وفق قانون الطلب) وفي هذه الحالة تتأثر قدرة البلد على الاستيراد لأنه يتم بالدولار، وأصبحت تكلفة الاستيراد أعلى لأن الدولار ارتفع مقابل الليرة، وفي الوقت نفسه تصبح قدرة البلد على التصدير أعلى، لأن صادرتها أصبحت أرخص من قبل نتيجة انخفاض سعر عملتها.
والعكس بالعكس، فلو انخفض الطلب على الدولار فإنه سوف يزداد العرض منه، أي الناس يرغبون ببيعه أكثر من شرائه، بالتالي ينخفض سعر الدولار وترتفع سعر الليرة وتتأثر الصادرات وتصبح قدرتنا أعلى على الاستيراد، لأننا أصبحنا نملك دولارات أكثر من قبل نتيجة انخفاض سعر الدولار مقابل عملتنا التي ارتفعت.
ولا توجد دولة في العالم تترك عملتها المحلية معوّمة بالكامل، نظراً لخطورة النتائج التي تترتب على تغير قيمة الدولار، ولذلك فإن معظم عمليات التعويم التي تتم تكون على نحو يتم إدارته من قبل المصرف المركزي، ويطلق على هذه الصورة من التعويم، (التعويم المدار Managed floating” أو التعويم الموجّه.
وفي ظل التعويم المدار يضع البنك المركزي ما يمكن أن نطلق عليه السعر المركزي للدولار (مثلا 55 ليرة للدولار)، ثم يقوم بتحديد حد أقصى لمعدل صرف الدولار (سقف، مثلاً 62 ليرة للدولار)، وحداً أدنى لمعدل صرف الدولار (أرضية، 48 ليرة للدولار)، على أن يترك الدولار معوّماً بين هذين الحدين الأقصى والأدنى للتقلب، حتى إذا ما اقترب سعر الصرف السوقي للدولار من الحد الأقصى أو تجاوزه، فإن المصرف المركزي يبدأ في التدخل في سوق النقد الأجنبي، إما من خلال بيع الدولار (لزيادة الكميات المعروضة منه) ومن ثم دفع سعر صرفه نحو الانخفاض، أو من خلال رفع معدل الفائدة على الليرة، فيزيد الطلب عليه من قبل الأجانب (لأغراض الإيداع) ويزيد بالتالي عرض الدولار، وكلا السياستين تؤديان إلى عودة معدل صرف الدولار إلى نطاق التعويم، كما يقل طلب المقيمين على الدولار (لأغراض الإيداع) فيبدأ سعر صرفه في الانخفاض.
والعكس، في حالة اقتراب معدل صرف الدولار من الحد الأدنى لسعر الصرف أو تجاوزه، يقوم المصرف المركزي بشراء الدولار، حتى يزيد الطلب عليه ويرتفع سعر صرفه، أو يقوم بتخفيض معدل الفائدة على الليرة ليقلل الطلب عليه ويرتفع بالتالي سعر صرف الدولار.
إذاً، في حالة التعويم المدار يتدخل المصرف المركزي للمحافظة على بقاء سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار وفق آلية السوق وقوى العرض والطلب وليس وفق نشرات رسمية يحددها وفق نظامه المتبع. المشكلة هنا تكمن عندما لا يملك المصرف المركزي دولارات كافية للتأثير على سعر صرف عملته المحلية، لأن السوق يملك دولارات أكثر وهو المسيطر.
أخيراً، ما الذي يدفع الطلب على الدولار نحو الارتفاع أو الانخفاض، وكذلك الأمر بالنسبة للعرض من الدولار؟
هناك الكثير من العوامل المسؤولة عن التغير في الطلب والعرض من الدولار، نذكر منها:
1- فروق معدلات التضخم بين الداخل والخارج، كقاعدة عامة إذا ارتفع معدل التضخم في سورية عن معدل التضخم في الولايات المتحدة، فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية لليرة بالنسبة للدولار، ومن ثم انخفاض قيمة الليرة (ارتفاع سعر صرف الدولار)، أما إذا كان معدل التضخم في سورية أقل من معدل التضخم في الولايات المتحدة، فإن القوة الشرائية لليرة سترتفع بالنسبة للدولار (انخفاض سعر صرف الدولار).
2- فروق معدل الفائدة بين الداخل والخارج، كقاعدة عامة، إذا ارتفع معدل الفائدة على الليرة بالنسبة لمعدل الفائدة على الدولار، فإن ذلك سيدفع المودعين إلى تحويل مدخراتهم بالدولار إلى الليرة وإيداعها في البنوك السورية للحصول على فوائد أعلى، وهو ما يؤدي إلى انخفاض معدل صرف الدولار (ارتفاع قيمة الليرة).
والعكس، إذا كان معدل الفائدة على الدولار أعلى من معدل الفائدة على الليرة، فإن ذلك سيشجع المودعين بالليرة على تحويل ودائعهم إلى الدولار للاستفادة من معدل الفائدة المرتفع عليه، ويرتفع نتيجة لذلك معدل صرف الدولار (انخفاض قيمة الليرة).
3- العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات:
ميزان المدفوعات هو حساب يتم فيه تسجيل قيمة السلع والخدمات التي يتم تصديرها إلى الخارج (الصادرات)، وقيمة السلع والخدمات التي يتم استيرادها من الخارج (الواردات).
فإذا كانت الصادرات إلى الخارج (كمية الدولار التي يعرضها الأجانب في مقابل الصادرات) أكبر من الواردات من الخارج (كمية الدولارات التي يطلبها المواطنين لشراء السلع الأجنبية)، يحدث فائض في ميزان المدفوعات (أي فائض في الكميات المعروضة من الدولار في سوق الدولار)، وهو ما يخفض معدل صرف الدولار.
والعكس إذا كانت الصادرات إلى الخارج (كمية الدولار التي يعرضها الأجانب في مقابل الصادرات) أقل من الواردات من الخارج (كمية الدولارات التي يطلبها المواطنين لشراء السلع الأجنبية) يحدث عجز في ميزان المدفوعات (أي نقص في الكميات المعروضة من الدولار في سوق الدولار)، وهو ما يرفع معدل صرف الدولار.
4- عدم الاستقرار السياسي، تتأثر قيمة العملة بالاستقرار السياسي من خلال المخاطر المصاحبة للاستثمار بهذه العملة، فإذا ارتفعت درجة عدم الاستقرار السياسي في دولة ما، مثل شيوع الإضرابات أو نشوب الحروب …الخ، ترتفع مخاطر الاستثمار في هذه الدولة، وإذا لم يصاحب ذلك ارتفاع في علاوة المخاطرة في معدل العائد على الاستثمار، فإن الإقبال على الاستثمار في أصول هذه الدولة يقل (انخفاض عرض العملة الأجنبية)، بينما يزيد الطلب على الاستثمار في الأصول الأجنبية (زيادة الطلب على العملة الأجنبية) ومن ثم ترتفع معدلات صرف العملة الأجنبية، والعكس.
وهكذا تكلمنا بشكل مبسط جداً عن بعض أنظمة أسعار الصرف التي اعتمدتها دول العالم، منذ قاعدة الذهب، وقواعد كل نظام وكيف وصل بنا الحال إلى نظام التعويم المدار أو الموجه المستخدم في بعض الدول. نلاحظ أنه منذ القرن التاسع عشر كانت هناك عدة أنظمة أسعار صرف، وما تلبث أن تنجح في أداء مهمتها حتى تفقد دورها الجوهري وتنعدم الفائدة من اتباعها، وظهرت عدة أنظمة هجينة وهي تدمج فوائد نظامين أو أكثر ومنذ بداية عام 2000 ظهرت مجموعة أنظمة، كالصرف الثابت والهيئة النقدية والربط الثابت مع عملة أخرى، والربط مع سلة عملات والسماح بالتحرك ضمن نطاق ضيق ونظام الحدود الزاحفة والتعويم المدار دون تحديد مقدار التغير والتعويم المستقل وهو نادراً ما يستخدم.
*المصدر كتاب نقود ومصارف، جامعة القاهرة (بتصرّف).