المرأة عديمة الأجنحة هي التي أمسكت طرف المقص !

سامر منصور:

شدّت انتباهي ذات مرّة صورة لثور ضخم في الهند يقوده طفل صغير لم يدخل المدرسة بعد، عبر طريق نائية ووعرة، والثور بكل قوته وضخامته مستسلم لواقع أن الطفل سيد عليه.

المغزى من هذه الصورة أن بإمكان أي كان أن يكون أفضل ممّا هو عليه، إن قدّر نفسه بشكل صحيح ولم يسمح للآخرين بفرض تصورات ومفاهيم تساهم في علاقة غير سوية تقيّده وتُسيّره وفقاً لما يريدون، إلى حدّ أن ذلك يبدو له مع الزمن جزءاً طبيعياً من حياته بأن ينضوي تحت جناح الآخرين في محيطه الاجتماعي. ولعلّ أكثر ما تستحضره العبارات السابقة في الأذهان هو المرأة في معظم مجتمعاتنا العربية، التي كان يتمُّ إخراجها من المدرسة لتزويجها، واتخاذ الكثير من القرارات المصيرية التي تخصُّها من قبل ذويها من الذكور، وذلك قبل خمسين عاماً فقط من الآن في سورية وغيرها العديد من الدول العربية.

إن الأنثى تتعرض للتدجين والقولبة بحيث يتمُّ إدماجها وتأطيرها وفق عادات المجتمع وأعرافه، التي تفرض سلوكيات معيّنة على الناس حسب العمر والجنس والمكانة الاجتماعية. إن المرأة العربية هي أكثر كائن اتباعي، وهذه الاتباعية هي مزيج بين الاتباعية القسرية والاتباعية الاختيارية. في البنية النفسية لدى جميع الكائنات، يسعى الجيل الصاعد في مقتبل الشباب إلى انتزاع مكانة له في مجتمعه والاعتراف به كفرد ناضج وكيان يتمتع باستقلاليته، وهنا يبدأ سعي الفتيات الحثيث إلى محاكاة أمهاتهن وأقاربهن الناضجات وتقليدهن في السلوكيات والتصرف، وبضمن ذلك التبنّي غير الواعي لتقديم الطاعة للرجل والإعلاء من شأنه.

إذاً، بإمكاننا القول إن الإناث في بلادنا العربية تتعلّم الاندماج، وتتقبّل وتتبنّى مفاهيم مجتمعاتنا عن الأنثى وتُقيّد نفسها بها بسبب ضغوط وقمع يمارسه الذكور، وبسبب ضغوط ومطالبات من الإناث الأكبر سنّاً في المحيط الاجتماعي، ولأن الأنثى كائن مرهف وحسّاس، فسعيها لتحصيل القبول في محيطها الاجتماعي يفوق سعي الرجل. وإن أردنا الحديث عن مجتمعات أخرى فالإعلام يلعب دوراً هائلاً في تكريس الأنثى في دور اجتماعي أقلّ قيمة، إذ يجري التركيز على أهمية المنحى الجمالي والشكلي للأنثى وتقديمه على أيّ شيء آخر يمكن أن تقوم به. لذا نجد الأنثى البشرية قد وصلت في بعض الأحيان إلى مرحلة تسير فيها وتتحرّك (تتشخلع وتتغنج وتتغمّى) بطريقة مثيرة للغرائز، حتى لو كانت في مكان يتطلب منها الجدية، كأن تكون في العمل أو على باب غرفة عمليات تنتظر نتائج عمل جراحي لأحد من أقاربها، …الخ، وكأنها أضحت مُبرمجة على ذلك. بينما لا تُمارس أنثى الحيوان حركات تُرسل من خلالها إشارات جذب للجنس الآخر إلاّ خلال مواسم التزاوج أو في وقت وجيز من يومها، وتمضي بقية نهارها منهمكة في تحصيل رزقها ورزق عيالها وحمايتهم ورعايتهم. ومن أكثر الفيديوهات المُعبّرة التي شاهدتها في حياتي فيديو لفتاة ألمانية في سن الخامسة عشرة تطالب والديها السماح لها بالانخراط في أنشطة رياضية وفعاليات أخرى تشبه تلك التي يضطلع بها شقيقها الذي يصغرها بعامين قائلة: (لماذا عليّ القيام بالمسائل التافهة بينما هو يحظى بالأنشطة والأمور الشيّقة والممتعة ويتعلّم أموراً جديدة. أنا أيضاً أريد تعلّم السباحة وركوب الدراجة، ولا أريد الذهاب مع أمي لتسوق الطعام ومساحيق التجميل). وفي فيديو آخر لفتاة أمريكية في سن الثالثة عشرة تقريباً كانت الفتاة في متجر يبيع ثياباً لكلا الجنسين، وكانت تتذمّر من أن ثياب الفتيات (بلوزات وكنزات وسترات) تحمل رسوماً وعبارات سخيفة كصورة لشفاه كبيرة، وعبارات مبتذلة وأشكال وصفتها بالغبية كقوس قزح يظهر تحته مُهر له قرن وجناحان، بينما ثياب الفتية عليها عبارات تحفيزيّة تبعث الأمل وتحضُّ على خوض الحياة والتجارب، ومن تلك العبارات (لا شيء مستحيل)، (اجعل حلمك عالياً في السماء حتى لو أخفقت ستنتهي بين النجوم)، (لا تستسلم) …الخ.

حتى تتمكّن المرأة العربية من كسر الأُطر والقوالب التي تنتظرها حتى قبل ولادتها، ليس عليها سوى اكتساب المزيد من الوعي، فالإطلاع يبعد عن الاتباع، لأنه ببساطة هناك دوماً مجتمعات ناجحة ومتقدّمة لا تمارس الكثير الكثير من أعرافنا وتقاليدنا، وعلى المرأة ألا تنجرف نحو تحقيق القبول الاجتماعي خاصّة لدى الأجيال الأكبر سناً، ولدى النماذج الأكثر نمطية من الناس. ووحده الانفتاح على الآخر الذي أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات وغيرها من مفرزات التكنولوجيا سيكسر الأعراف والعادات المُتكلّسة مع الزمن، لكن يجب أن يكون الانفتاح انفتاحاً واعياً، وأن نُمسك غربالاً في مواجهة التيارات المتدفقة نحونا من أفكار وسلوكيات …الخ، عبر التكنولوجيا الذكية، وألا نمسك دلواً ونعبُّ كل شيء، وإلاّ خرجت المرأة الشرقية من مشاكل لتقع في أخرى تُحدّد كيانها وتؤطّر قدراتها على نحو مجهض لإمكانياتها، ممّا ينعكس سلباً على الاقتصاد وعلى كثير من المناحي الاجتماعية.

العدد 1102 - 03/4/2024