سوء المنهجية الإدارية… اللاذقية إلى أين؟؟

سليمان أمين:

قد يعجز الكلام عن وصف ما يحدث في مدننا السورية التي فقدت جمالها منذ سنوات، فيكفي أن نقف عند الفوضى الحاصلة بغياب القوانين الرادعة التي يجب أن تطبق على الجميع، ففي مشهد لاذقاني مؤلم جداً تلونت إحدى الأمسيات بدم شاب بعمر الورد وبتكسير وتخريب محال تجارية وسيارات، على خلفية مباراة انقسم فيها الجمهور المشجع لفريقي قتال وكأنهم أعداء منذ عهود، إلى فوضى المؤسسات التي تعيشه المدينة منذ سنوات، بسبب غياب رقابة المحافظة وعدم تطبيقها للمعايير الخدمية والإدارية، والذي انقضى بصورة شكلية بحل مجلس مدينة اللاذقية، في غياب كامل للخدمات التي يجب أن تشرف عليها المحافظة ومجلسها الموقر، الذي يجب أن توجه أسئلة الحكومة لها وله بكل وضوح وشفافية، فهل انقضت وأُصلحت بحل مجلس المدينة؟؟ وهل هذا ترقيع للفضائح الكبيرة التي باتت واقعاً يلمسه الصغير والكبير؟؟ السؤال الأهم: ما مهمة المحافظ الذي أقسم بالعمل لصالح الدستور والقانون؟ هل تتلخص مهامه بقص الشريط الوردي للمعارض والمؤتمرات وغيرها؟

الثقة وحدها لا تكفي لبناء مجتمع المدينة وتطويره للأفضل، بعد أن نفضت الحرب سمومها فيه وبات المجتمع يعيش بلا قوانين ورقابة تطبق على كل شيء، فمن المفترض أن تكون الثقة دافعاً للعمل والعطاء والإنجاز لدى المسؤول، لا أن تجعله يتقاعس ويخون ثقة من أمّنه، فقد باتت القمامة قمم تحكم شوارع وأحياء المدينة، بعد أن تهرّب موظفو خدمات النظافة من عملهم وحصلوا على تكاليف مغايرة لمهمة عملهم التي توظفوا من أجلها. ومن هنا نبدأ بمحاكاة بسيطة لواقع المؤسسة الخدمية للمدينة ولجانها، وكيف أصبح الفعل فاعلاً متحكماً بسقوط قواعد الجملة الفعلية.

 

أين اختفى عمال النظافة في اللاذقية؟

منذ ما يقارب ثلاث سنوات بدأ تراجع خدمات النظافة في مدينة اللاذقية، وتفاقم بشكل مرعب خلال السنة الأخيرة، فلم يعد المواطنون يشاهدون عمال النظافة كالسابق، فحيّ الأميركان على سبيل المثال لا يوجد به سوى عامل واحد وكذلك حال حي المار تقلا، وبقية الأحياء الأخرى بالمدينة، مع العلم بأن هناك أكثر من 2000 موظف حكومي بصفة عامل نظافة، وقد طُرح التساؤل أكثر من مرة من قبل بعض أعضاء مجلس المدينة في الاجتماعات الدورية عن عمال النظافة، ولكن كالعادة جرى التهرب من الجواب، وأنه ليس هناك عدد كافٍ من عمال النظافة، ولكن السؤال الأهم: أين ذهب هذا العدد من موظفي عمال النظافة؟ وفي الواقع العاملون أقل من 100 عامل.

في بحثنا وسؤالنا أين اختفى عمال النظافة وصلنا إلى أنه تم توظيف الكثير على أساس عقود أو مسابقات بعقود نظافة، وجرى تكليفهم فيما بعد بمهمات أخرى كسائقين أو لجان، ومنهم من أخذ استراحة ليعمل بمهنة أخرى ويقبض راتبه أخر الشهر، أي ما يسمى بالعامية (تفييش). وهذا الواقع مخالف للقوانين الناظمة للمؤسسات الحكومية وللقانون بشكل عام، فالمسمى الوظيفي عند التوظيف يبقى ولا يعدّل إلا وفق أصول بتعديل الشهادات وغيره من المعايير ووفق حاجة المؤسسة. والسؤال الذي نطرحه هنا: إلى متى تبقى اللاذقية من دون عمالها؟ وهل وزارة الإدارة المحلية تتساءل عن عمال النظافة وأين هم وكيف يتقاضون رواتبهم وهم لا يعملون!؟؟

 

لجان البلديات وإشغال الأرصفة

اللجان المشكلة ضمن بلدية اللاذقية هل تخضع للمعايير الإدارية والمسمى الوظيفي لكل لجنة؟؟ هذا من الأسئلة الهامة التي تحتاج إلى إجابة وتفسير واضح، فحال لجان البلديات خلال سنوات من السيئ إلى الأسوأ، فيمكن وصف عمل بعض اللجان بالتنكيل والتشبيح على المواطن كحال لجنة إشغال الأرصفة، التذي يجب أن يترأسها مسؤول ذو شهادة علمية لديه العلم الكافي بقانون تنظيم الأرصفة وخدمات المجالس المحلية، وكذلك يجب أن يلتزم أعضائها بالأصول الإدارية والخدمية لا أن يقوموا يقوموا بابتزاز المواطنين الفقراء الذين لا حول ولا قوة، ومن لا يدفع لهم الأتاوات تُقلب بسطته رأساً على عقب ويُصادر ما فيها لاقتسامه كغنائم حرب. وتعاني الأرصفة الداخلية للمدينة من استيلاء كامل لأصحاب المحلات عليها، وكذلك زوايا إشارات المرور والأرصفة المحيطة بمواقف السرافيس، مثل زاوية المقبرة المقابلة لمجمع أفاميا التي يسيطر عليها شخص حول الرصيف لسوق يفترشه بأنواع الفواكه والخضار، وقد جرى علاجها بعد أن كتبنا عنها سابقاً في الصحيفة، لكنه عاد بعد فترة بشكل أقوى وأوسع وكأن ليس هناك قوانين تردعه عن استملاك الرصيف. وليس حال أرصفة المدينة السياحية في الشاطئ الأزرق بالأفضل، فقد باتت أملاكاً خاصة لبعض المحلات والأشخاص المتسيدين المنطقة بقوة السلاح.

ما تحتاجه اليوم مدينة اللاذقية هو تنظيم قانوني لعمل هذه اللجان وتشكيلها بمعايير بناءة وشفافة لا بالواسطة، وليس وضع أشخاص لا يفقهون شيئاً سوى لغة المال والسيطرة والابتزاز، فلدى البلدية والمحافظة من الموظفين المهندسين ومساعدي المهندسين عدد كبير من أصحاب الخبرة والعمل لماذا لا يُستفاد من خبراتهم ووضعهم في أماكنهم المناسبة؟ لماذا لا توضع موظفات ضمن هذه اللجان.

 

اللجنة الصحية وضوابط وزارة الصحة

أغلب اللجان الصحية في المدينة كما علمنا ليست لجاناً خاضعة لمعايير الوظيفة العامة، ومن يشغلونها ليسوا من الأطباء وخريجي المعاهد الصحية، فمن المعلوم أنه يجب أن تخضع هذه اللجان لشروط، منها أن يكون أعضائها خريجي صحة أو أطباء، فكيف يستطيع شخص غير اختصاصي أن يقيّم سلعة ما أو مادة استهلاكية ضمن الشروط المنصوص عليها سواء بالتموين أو البلدية …الخ؟ فمن المهم جداً أن تخضع هذه اللجان في تشكليها لعمل مديرية الصحة، ويجب أن تتوفر فيها الشروط كاملة، فأغلب اللجان الصحية اليوم في أسواقنا مهمتها فقط جمع المال كباقي اللجان، لا تقييم الشروط الصحية للأسواق والمنتجات.

 

ختاماً

التغيير الأساسي الذي نحتاج إليه اليوم هو الخروج من الدائرة المغلقة لمؤسساتنا الخدمية، وتغيير منهجية عملها بما يتوافق مع الأسس الإدارية والتنموية الجديدة، فتغيير الشكل ليس مهماً إن لم تتغير الآلية، فمجتمعنا بأمس الحاجة اليوم إلى احترام العمل ونشر ثقافة العمل، وليس بحاجة إلى تغيير الوجوه، وكذلك شبابنا بحاجة للتعلم من الكبار والمسؤولين كيف يحترم شوارعه ومجتمعه ويعمل لبنائه وتطويره، فاليد المؤسساتية عندما تبني بنزاهة يشاركها المواطن بالبناء ويثق بها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024