عبوديٌة غيرُ مُعلنة

غزل حسين المصطفى: 

عبودية غير مُعلنة وتجارة بشرية (على المكشوف) تستتر خلف قناع الأزمات والحرب. إن كانت أسواق النخاسة غير مُحدّدة الموقع جغرافياً فهل نُعلن انقضاء زمانها؟

مفاهيم يتمُّ التلاعب بها ليرضى ضمير المعني!

يوسف قد بيع يوماً من قبل إخوته طمعاً بدلالٍ ومكانة قد حظي بهما، واليوم تدور الدوائر ليصير البيع لمكاسبٍ ماديةٍ عظيمة هو بيعٌ مادي ومعنوي بكل معنى الكلمة وحرفيتها.
فأوراقُ اللعبة غير واضحةٍ، وتبادل التُهم مُجاز بين الأطراف، لم يعد الأمان موجوداً حتى في وضح النهار، خطط مُدبّرة تستدرج الضحايا وتساوم على أرواحهم تارةً، أو تبيع أعضاء أجسادهم وتشبع الجيوب تارة أخرى. وفي كلا الحالتين أرواحٌ بشريّةٌ تُزهق وتحفُّ نحورها سكاكين الطمع أو الموت. أمّا عن قصص الشبكات التي تستَرِقُ الأطفال فاللسان يعجز حقاً.
من منّا لا يذكر مشهد تلك الطفلة وهي على مجرى نهر بردى أمام أفخم فنادق دمشق، في شتاءٍ زمهريريّ مُنصرم وهي تخالط سكرات الهذيان، تشتمُ الشعلة لتغيب عن واقعها وأمثالها كُثر؟ وقد ذكرت في مدونة سابقة حيثيات مثل هذا الموضوع وعودته لرؤوس بشرية تُدبر وتُدير!!
وعلى الرغم من أن مفهوم الاتجار بالبشر مُحدد مُسبقاً من قبل الأمم المتحدة التي اعتمدت له يوماً على تقويمها السنويّ لتُناهض وتُعيد إيقاظ تفاصيل القضية، إلاّ أنني أرى اليوم أن المفهوم بات أوسع ويحتمل عدّة خيارات بالنسبة للحالة السورية تحديداً في ظلّ اتساع الرقعة الجغرافية التي ينتشر عليها الشعب السوري المُهجّر أو المُهاجر، فقد تحوّلت المآسي إلى مادة إعلامية دسمة حتى باتت قصصنا تُساعد على الترويج لبرنامج ما، و(س) من الأشخاص لرقّة قلبه وشدّة رحمته. ينادون باسمنا ويشحذون لأجلنا، وهاهي الدول الشقيقة تُشغّل العمال السوريين بأجور تكاد لا تُسمى أجوراً حتى بات الوصف أنه سُخرة وليس عمل!!
وفي فترة قريبة منصرمة كُنّا نسمع عن تجارة الفتيات، حين تُزوّج تلك الطفلة (بالحلال) لعجوز أراد أن يشتري بماله لياليَ عدّة، ومن ثم يمضي ويمين الطلاق يسبق إغلاق باب الشقة، وذلك فقط لأنه استطاع أن يدفع وزنها ذهباً مُتناسياً أنه سلبها عمراً بحاله!
هذا ليس كل شيء، إنه بعض بعض أجزاء الواقع.

ولأن الوضع في تفاقم وثلث المُتاجر بهم (أطفال) أرادت الأمم المتحدة اتخاذ شعار(الاستجابة للاتجار بالأطفال والشباب) لهذا العام، ودائماً على أمل أن تُجدي أصواتنا نفعاً ولا نبقى على الأطلال نبكي ونستبكي ونُعيد ترتيب حروف معلقاتٍ سنوية تُطالب وتُندد.
فإن بقينا هكذا قد لا نجد أطلالاً نقف عليها حتى!
وحدها كلمات نشيدٍ طفوليّ تجول في خاطري الآن:
أعطونا الطفولة! أعطونا الطفولة! أعطونا السلام! أعطونا الأمان!

فأيّة طفولة! وأيُّ أمان!؟

العدد 1104 - 24/4/2024