مجتمع طبقي هو مجتمع أسياد وعبيد
سامر منصور:
تتغيّر الأزمنة والمُسميات وتبقى الكثير من المسائل الخطيرة على حالها، فإفريقيا الجائعة المنكوبة على سبيل المثال هي إفريقيا الأكثر جوعاً ونكبة، فإن انقضى العصر الذي كان يُقاد فيه أصحاب البشرة الداكنة بالسلاسل والسيّاط للعمل في إطار العبودية، ويُقدّم لهم القليل من اللباس والطعام مقابل ذلك، هم اليوم لا تقتادهم السيّاط إلى ميادين العمل الشّاق لقاء ما يسدُّ الرمق، لكن يقتادهم التآمر الاستعماري المُعزّز بالاستبداد المحلي ليعيشوا حياة الضنك ذاتها، وما زالت إفريقيا أرض المجاعات والنكبات الكبرى.
إن العبودية والاتجار بالبشر مازالت قائمة، تُكرّسها جهود الرأسمالية العالمية التي تريد يداً عاملة رخيصة إلى حدّ أنها شبه مجانية، وها هي ذي الأيادي الإفريقية تستخرج الثروات الوافرة من أراضيها وتقدمها للشركات والمصانع الغربية مقابل ما يُبقي على حياتهم من ثمن الطعام! وأنا أعني بالاتجار بالبشر ما يُسمّى وفق القوانين بعقود الإذعان، فالأجر لا يتناسب مع حجم العمل، وأعني سلب الأجيال الأكثر حيوية ونشاطاً سني عمرها مقابل أثمان بخسة.
وإن أردنا الحديث عن بلدنا سورية، فإن الاستغلال هو أكثر السمات السلبية الرائجة، وعادة ما تستغل الطبقاتُ العليا الطبقاتِ الدنيا من المجتمع، واليوم بعد سنوات الصراع الغبراء أصبح الاستغلاليون بطبعهم من تجّار الأسواق السوداء والمُحتكرين والفاسدين المتسلّطين وما شابههم أصحاب النُزر اليسير من رؤوس الأموال والمشاريع الاقتصادية المتنامية إضافة إلى العفّيشة الذين استغلوا الشعارات والحالة الوطنية ليسرقوا ويعفّشوا، بينما سواهم يقاتل فداءً للوطن ودفاعاً عن المواطنين بعيداً عن المصالح الشخصية والرغبة بالكسب السهل على حساب نكب المنكوب ونهب المنهوب.
إن الاستغلال الطبقي المقيت من قبل الأثرياء اللصوص عديمي الضمير، يُضاف إليه تزويج الفتيات من قبل ذويهم من أجل المهر والمال بسبب ضيق الحال، وكل ظاهرة من شأنها تقييد حريّة الفرد في خياراته الحياتية والمهنية لصالح الانسياق مكبلاً بالجوع والفقر أو الخوف من الوقوع فيهما، الانسياق إلى ما يريده الآخر ويخدم مصالحه على حساب الأجر العادل وحرية اتخاذ القرارات المصيرية. كل هذا أعتبره اتجاراً بالبشر، فإن كان بيع الأعضاء وبيع الناس هو تجارة (جملة ومفرق) بالبشر، فكذلك الاتجار بآمالهم وأحلامهم وتقييد خياراتهم!! فما الإنسانية إلا حريّة ولا نمطية وتفرّد وتقدّم وإنجاز، عندما يجد المواطنون الشرفاء خاصة الذين أفنوا شبابهم في خدمة العلم ثم عادوا إلى حياتهم المدنية، عندما يجدون أنفسهم أصبحوا بعد كل تلك التضحيات يعملون ويطيعون حيتان المال من الخونة ومصّاصي الدماء الذين غرزوا أنيابهم في جراح شعبنا النازف، فإن مستقبل البلاد يغدو مرعباً، والبنية النفسية لهؤلاء الفاسدين والناهبين الذين لم يراعوا حرمات البيوت وتعب الناس واستطاعوا أن يكونوا فوق القانون عبر الفساد، هؤلاء الوحوش لا يرون في عامّة الشعب سوى قطعان، ولن يعاملوهم كبشر، وخلاصة القول: بلاد لا يسودها القانون ستسودها الفوضى عاجلاً أم آجلاً، ولعلَّ الحل يكمن في رصد من تضاعفت أمواله بشكل هائل خلال سنوات الحرب ومصادرتها ومساءلته من أين لك هذا؟ وسط تراجع كل المناحي والموارد الاقتصادية الكبرى وانهيار قيمة الليرة السورية.