الأمن الغذائي المرتقب
سنان علي ديب:
لم ينجح الإرهاب بأنواعه (العسكري والسياسي والفكري والاقتصادي) في قتل موارد سورية، ولا في قتل روح إعادة الاعمار نحو تحقيق مزيد من التطور والتقدم، للوصول إلى ما كنا عليه قبل الحرب القذرة من مؤشرات متفوقة اقتصادية واجتماعية، ومراكز متقدمة في التصنيفات الدولية. وكيف لا وقد كنا ممن يفتخر بتنمية مستمرة مستقرة مستقلة شبه متوازنة؟! وكيف لا نصل وسورية من الدول التي حققت الأمن الغذائي، ومن يحققه يقوي داخله وصلابته ومناعته؟!
وكلنا سمع عن أكثر من 5.5 ملايين طن قمح احتياطي لم تستوعبه الصوامع والمخازن، وسمعنا بوقاحة وزيرة الخارجية الأمريكية (رايس) عندما قالت: ليس بالسهولة اجتياح سورية وحصارها، فهي مكتفية ذاتياً بالقمح. ولم يكن القمح وحده وإنما القطن والشوندر والشعير والتبغ والزيتون والحمضيات والحبوب والخضار والفواكه، قبل أن يفرض الفريق الاقتصادي خطته التي شوهت الأسس التي قام عليها أمننا من خيارات مفتوحة، لا قضم مساحات وتحديدها وإنقاصها بحجج واهية كنقص مياه أو غيره، وتقليص دور الحكومة في تأمين مستلزمات الزراعة وفي مساعدة الفلاحين، واتضح أن ضرب أمننا الغذائي وقتله كان ممنهجاً ومخططاً له، وأن قتل المعامل التي تصنع منتجاته لم تكن لناحية اقتصادية وإنما لأفكار سامة مبرمجة.
هذا الأمن الذي أنفقنا مليارات الدولارات للوصول له من سدود وكهرباء وطرق زراعية ومعامل أسمدة ووحدات إرشادية واتحاد للدفاع عن حقوق هؤلاء شركاء العمال في البناء مستوحين المقولة الشهيرة (ما دام فلاحنا بخير فأمننا واقتصادنا وبلدنا بخير). ولكن رغماً عنهم وعن تآمرهم وعن حقدهم وإرهابهم/ ورغم ما فعله وأدواته من حرقٍ لأراضٍ شاسعة وهدم الجسور وضرب البنى التحتية وقطع الطرقات، إلا أنهم فشلوا. وكمثال فإن الكميات المسوقة من القمح قد فاقت كميات الموسم السابق بأضعاف، فحسب تصريحات الوزارة المختصة استلمت المؤسسة السورية للقمح ٥٣٥ ألف طن قيمتها بحدود مئة مليار ليرة وسط تسهيلات يتم دفعها خلال يومين، في حين كانت الكمية السنة الماضية ٣٥٥ ألف طن وفي الفترة نفسها ١٨٠ ألف طن ومازالت طوابير الانتظار وخاصة بالقامشلي تتزايد. وتستمر الدولة بتقديم التسهيلات والمستلزمات. وللعلم حرائق الحسكة فقط بلغت ٥٠٠ ألف دونم إنتاجها ١٣٠ ألف طن، والناتج المتوقع هذه السنة سيعطي فوائض ومخزوناً استراتيجياً للسنة القادمة، والحكومة أدرى بكيفية التعاطي معه، وهذا سيوفر علينا ملايين الدولارات التي كانت تذهب لاستيراد القمح، وقد نقايض القمح القاسي بالقمح اللين الذي كنا نحتاجه للخبز إن لم يستطع الإنتاج تغطيته. ومن المؤكد أن هذه الوفرة بالإنتاج ستؤدي لتوفر قوة شرائية للفلاحين وأسرهم وللمهن المترافقة مع حصاد القمح وتسويقه، وسيضخ مئات المليارات من السيولة في الأسواق، وسينعكس على شراء الحاجات الضرورية ويحرك الأسواق الراكدة نوعاً ما للفجوة الكبيرة بين مستوى الدخل ومتطلبات المعيشة. إذاً سنوفر القطع الأجنبي وهذا سينعكس على سعر الصرف من جهة، ويتيح الخيارات للحكومة لتمويل المواد الهامة والضرورية لزيادة الطاقات والقدرات الإنتاجية، الأمر الذي سينعكس على كل المؤشرات الاقتصادية.
ولا يقتصر الفائض على القمح بل هو في أغلب المنتجات الزراعية والحيوانية، ولا نخطئ إن قلنا سورية عادت لتصل إلى الاكتفاء الذاتي وتعود لتحقيق الأمن الغذائي بشكل شبه تام، هذا الأمن الذي كان سنداً وداعماً قوياً، وعودته تحتاج إلى نوايا طيبة وجهود وطنية، ومنه سيعود الأمن العام وخاصة الاقتصادي والاجتماعي.