تنـاول مـا تـرغـب.. ولـكن لا تتفـاخـر!
ولاء العنيد :
من جديد تجتاح الصفحات الزرقاء ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى ظاهرة لطالما نادينا المجتمع بتخطّيها وتجاوزها وتجاهلها. واليوم بدأت تظهر على السطح بالتزامن مع شهر رمضان الكريم، وهي ظاهرة تصوير الموائد المزينة بأشهى المأكولات وما لذّ وطاب من الحلويات والفاكهة، ثم نشر صور تلك الموائد والتفاخر بها، وهي من أسوأ الظواهر التي مرت ومن أبشع العادات التي يمارسها بعض الناس من دون أدنى تفكير بحال من يراها، وهل يا ترى يستطيع أن يؤمّن جزءاً بسيطاً مما تحتويه!؟
واليوم ونحن في ظل هذه الحرب الاقتصادية والعقوبات التي تفرض يوماً بعد يوم، أصبح المواطن السوري يجاهد يومياً لتأمين لقمه عيشه، ومن غير اللائق التباهي بمثل هذه المواضيع وفي أوقات صعبة كهذه. فهل من المعقول أن يصل بنا الحال إلى وضع صور كل وجبة طعام نتناولها وكل عزيمة غداء نكون فيها، دون الأخذ بعين الاعتبار سرعة انتشار مثل هذه الصور ومشاهدتها من أناس همّهم اليومي ينحصر في كيفية تأمين طعام اليوم نفسه وإشباع جوع أطفالهم وعائلاتهم؟ فماذا سيكون شعورهم وهم يرون هذه الوجبات الفاخرة التي تحتاج لتحضيرها على أقل تقدير ضعفي راتب الموظف العادي؟! فهل من المعقول أن تصل قسوة القلوب إلى عدم الإحساس بالآخرين والظروف المعيشية القاسية التي تمر البلاد بها؟! لو فكر كل واحد من هؤلاء الناس، بدلاً من التفاخر بمثل هذه المناسبات، في تخصيص كمية إضافية أو مبلغ مالي معين والتبرع به للجمعيات الخيرية التي تمنحه لمن هو بحاجة إليه، لكان الخير وفيراً في البلاد، وما كنا سمعنا عن أطفال ينكل بهم المرض من قلة الطعام والغذاء، ولكانت الفرق التطوعية الخيرية لم تهدأ عن قرع الأبواب والبحث عن بيوت الناس المحتاجين للمساعدة والتي تنتظر بصمت يزيّنه التعفّف عمّن يبحث عنها، فقد تكون في شارعنا نفسه أو حارتنا، وحتى لربما كانوا جيراننا في البناء نفسه، حيث يجري منحهم سلة غذائية في كل شهر مثل السلات الغذائية التي نراها اليوم توزع في شهر رمضان.
كم سيكون جميلاً أن نصل إلى يوم كهذا يكون فيه فعل الخير والإحساس بحاجة الناس أمراً مستمراً ودائماً، وتكون فيه المساعدة غير مقتصرة على مناسبة معينة أو فترة زمنية تمضي سريعاً، وأن ننتهي من هذه الظاهرة المتفشية المتمثلة في التباهي بكمية الأطباق الفاخرة التي لا تعبر سوى عن قلة الوعي بحجم الألم الذي تزرعه في نفوس كل فقير ومحتاج!