طوبى لشهداء الحرية والكرامة الوطنية!

غياث رمزي الجرف: 

على كلِّ عودٍ صاحبٌ وخليلُ

وفي كلِّ بيتٍ رنّةٌ وعويلُ

بني يعْربٍ لا تأمنوا التُّرْكَ بعدها

بني يعْربٍ إنّ الذئابَ تصولُ

(جميل صدقي الزهاوي)

 

في ليلة حالكة مدلَهمّة عمياء، هي ليلة السادس من شهر أيار من عام ستَّةَ عَشَرَ وتسعمئة وألف، قبض السفّاح التركي (أحمد جمال باشا) الحاكم العسكري المطلق، على واحد وعشرين من المثقفين المتنورين العرب، شعراء وكتّاباً وصحفيين وسياسيين وعسكريين، وأعدمهم شنقاً حتى الموت بعد محاكمة صُورية إلى جانب من حُكم غيابياً أو سُجن أو شُرِّد أو نفي.

قبض السفاح التركي على هؤلاء الوطنيين الأحرار وأعدمهم، لأنهم كانوا، يومذاك، قادة الرأي والوعي والكفاح الدامي من أجل الانفصال عن كيان الدولة العثمانية، وإقامة وطن عربي حُرّ مستقل، وبناء الدولة العربية الواحدة، والحفاظ على الهوية القومية العربية وصيانتها (فنحن عرب قبل كل صبغة سياسية، حافظنا على خصائصنا وميّزاتنا وذاتنا منذ قرون عديدة، بالرغم مما كان ينتابنا من أنواع الإدارات كالامتصاص السياسي أو التسخير الاستعماري أو الذوبان العنصري)، كما قال الشهيد عبد الغني العريسي.

وكان لا بدّ من بعث حركة القومية العربية التي حاول (السفاح) وأدها، وكان لا بدّ من العمل المتواصل المخلص من أجل الاستقلال والتحرر من الاحتلال العثماني واستبداده القاتل، والتخلص من عسفه وطغيانه وقمعه واضطهاده وجهله وتخلفه، ومحاولاته طمس هويتنا العربية، وهدم لغتنا الأم الواحدة الجامعة، ومن أجل الانتهاء، وإلى الأبد، من ممارساته القاهرة المهينة والمذلة للعرب، ولا سيما حين سيطر الاتحاديون على مقاليد السلطة، وحين اندلعت الحرب الكونية الأولى.

وما إن تحقّق التحرر من الاحتلال العثماني الظلامي الذي جثم على صدورنا أكثر من أربعة قرون، حتى تكالب الغرب الاستعماري على أمتنا العربية من جديد، تحت عناوين زائفة ومخادعة (الوصاية، الانتداب، المدنية)، فكان حالها كحال المستجير من الرمضاء بالنار، واحتل الفرنسيون سورية. ولكن أبناء سورية الأحرار الذين ما قبلوا يوماً الذلّ والمهانة والاستسلام، تصدّوا بشرف وشموخ وإباء منذ اللحظات الأولى لجحافل الغزاة، ودافعوا عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم بصوفية وطنية فذّة عبر تضحيات مترعة بالبطولات والشهادة.

وسطعت، مرة أخرى، شمس الحرية والاستقلال، وجلا المستعمر الفرنسي الإمبريالي عن سورية، نبراس الوطنية والقومية، في السابع عشر من شهر نيسان سنة 1946.

وتعرّضت سورية بعد الجلاء المجيد لكثير من البَلْوى والمحن والفتن والتحديات والمواجهات. وفي حالتنا الراهنة تتعرض سورية، داخلياً وخارجياً، لهجمة رجعية عربية_ عثمانية (أردوغانية)_ صهيونية غربية إمبريالية ظلامية باغية، مقرونة بآفة موصوفة تُعدّ من أخطر الآفات (محلياً وإقليمياً ودولياً) ألا وهي آفة الإرهاب والفكر الوهابي التكفيري الفاشي/النازي.

هذه المعطيات والوقائع على الأرض لم تترك لسورية من خيارات سوى خيار التصدي البطولي لهذه الحرب الكونية، وسوى حماية الاستقلال الوطني، والدفاع عن الأرض والسيادة باعتبارهما العمود الفقري للكرامة الوطنية والقومية، والوقوف بإرادة صلبة لا تلين في وجه كل أشكال التبعية والذيلية والاحتواء والإخضاع والإملاءات.

عاشت ذكرى شهداء الاستقلال والحرية والكرامة على امتداد الجغرافيا الوطنية والقومية حيّة نابضة في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا وفي ذاكرة تاريخنا العربي. وعاشت سورية حُرّة، سيادية، مستقلة، ديمقراطية وعلمانية، موحَّدة وموحِّدة.

giathaljrf30@gmail.com

العدد 1104 - 24/4/2024