في جمعية العلوم الاقتصادية.. ندوة حول برنامج إحلال بدائل المستوردات

ديمة حسن – النور:

أقامت جمعية العلوم الاقتصادية السورية ندوة نقاشية حول إحلال بدائل المستوردات، قدمها الدكتور محمد سامر الخليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، وق افتتح حديثه بمقدمة نظرية بيّن فيها أن سياسة إحلال بدائل المستوردات ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، كنوع من الاحتجاج من قبل الدول النامية خاصة دول أمريكا اللاتينية على شروط التبادل التجاري الدولي، لجهة قيام هذه الدول بتصدير المواد الأولية للدول المتقدمة وبأسعار زهيدة، مقابل استيراد المواد المصنعة بأسعار مرتفعة، الأمر الذي عمق حالة الاختلالات البنيوية وما أنتجته من فقر في هذه البلدان، إضافة إلى خلق حالة من التبعية الاقتصادية للدول المتقدمة. وقد لاقت هذه السياسة رواجاً بين الدول النامية، خاصة أنها تشكل مخرجاً مقبولاً لتعزيز التنمية الاقتصادية بالاعتماد على التصنيع المحلي والسياسات الحمائية.

وأوضح الوزير مرحلتي إحلال بدائل المستوردات وهما:

مرحلة صناعة بدائل السلع الاستهلاكية، مثل الملابس والمواد الغذائية والأدوات المنزلية والأحذية، إذ لا تحتاج هذه الصناعات إلى تكنولوجيا مرتفعة، وتؤدي إلى حد ما إلى تخفيف فاتورة المستوردات، ومرحلة صناعة بدائل السلع المعمرة، مثل الآليات والصناعات الثقيلة والبتروكيميائية، وهذه الصناعات تحتاج إلى بنى تحتية محفزة وإلى سوق تصريف، والأهم تحتاج إلى موارد مالية ضخمة للقيام بها.

وقد بيّن أن نجاح سياسة إحلال الواردات يتوقف على نجاح الحكومة في تجاوز المرحلة الأولى، والانتقال إلى المرحلة الثانية التي تعتبر الأكثر صعوبة.

وتابع إن المأخذ الرئيسي على سياسة إحلال المستوردات يتعلق بالمبالغة أحياناً في السياسات الحمائية التي تتبعها الدول لتنفيذ هذه السياسة، من خلال منع الاستيراد وفرض الرسوم الجمركية …الخ، إذ تؤدي هذه السياسات في بعض الحالات إلى خلق صناعات غير قادرة على المنافسة، إضافة إلى تدني جودة المنتجات.

وأوجز د. الخليل أهداف هذه السياسة المتبعة التي تتمثل بتخفيف فاتورة الاستيراد للسلع التي يمكن إنتاجها محلياً، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبالتالي تحقيق استقلالية القرار الاقتصادي، وتشغيل اليد العاملة، ومواجهة الأزمات الاقتصادية.

كما بين أن بناء أي سياسة إحلال للواردات يجب أن تتم بشكل ينسجم مع المنظور التنموي للمرحلة المقبلة، وأنه يجب التوجه نحو الصناعات التي تشكل حوامل للنمو وتحمل قيمة مضافة عالية.

كما وضع مجموعة من الاعتبارات التي يجب أخذها عند العمل بهذه السياسة، فوضح أن أي استخدام للموارد الشحيحة يجب أن يتم وفقاً للاعتبارات الاقتصادية وبكفاءة مرتفعة، كما يجب مراعاة الميزة النسبية للاقتصاد السوري، وعدم التوجه لإنتاج سلع لا يمكنها المنافسة، وأن أية إجراءات حمائية يجب أن تكون لفترة محددة زمنياً، فاستمرار السياسات الحمائية سيؤدي إلى فشل الأسواق على المدى المتوسط ونمو الممارسات الاحتكارية، كما يجب ألا تؤدي هذه السياسة إلى زيادة المستوردات بشكل كبير بدلاً من انخفاضها، وهذا الأمر شائع الحدوث بين الدول التي اتبعت هذا النهج، بسبب زيادة الطلب على المواد الأولية أو نصف المصنعة والآلات اللازمة لهذه الصناعات، خاصة إذا كانت هذه الصناعات منخفضة القيمة المضافة، والتركيز على قضايا الجودة في الإنتاج، وإلا فإن هذه السياسة ستؤدي إلى تشجيع التهريب ولن تؤدي الغرض المطلوب منها.

كما بين أن خطة العمل تتضمن اختيار الصناعات عن طريق تحديد مجموعة من السلع التي ترغب الدولة في تصنيعها استناداً إلى وزنها في المستوردات بهدف تخفيض فاتورة القطع الأجنبي، وأوضح أن هناك مشكلتين تواجهان هذا الموضوع من حيث وجود العديد من السلع التي يحتاجها الاقتصاد الوطني وهي غير واردة في قائمة السلع المحددة لأنها تدخل في الترشيد ويتم تهريبها، وأنه لا يمكن بأي حال استبدال بعض الصناعات بشكل كامل، لأن الموضوع لا يتعلق فقط بوجود المنتج، وإنما بسلوك المستهلك.

والخطوة الثانية للعمل والتي تستوجب تحديد القطاعات المستهدفة بالإحلال، وذلك بالشكل الذي ينسجم مع التوجهات التنموية القطاعية للحكومة، ولمقومات النمو والتطور التي تمتلكها القطاعات من حيث توافر المواد الأولية أو العمالة الماهرة أو سوق التصريف.

وأوضح أنه قد تم اختيار 40 سلعة ذات القيمة الأعلى في المستوردات تم تخفيضها لاحقاً إلى 27 وان هذه القأئمة يتم تعديلها بحسب احتياجات الاقتصاد المحلي والأولويات التي تفرضها المرحلة. كما تم تحديد الأفق الزمني لتطبيق هذه السياسة، والسياسات الحمائية المرافقة، ويتم العمل على تصميم الإجراءات الحمائية، وهذا الأمر يجب أن يتمتع بعناية فائقة، كما يجب تحديد أدوار الجهات المعنية، فمن الضروري أن تقوم وزارة الصناعة بوضع التكاليف التقديرية للصناعات المستهدفة بالإحلال، بحيث تقوم وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ووزارة المالية بناء على ذلك بتصميم الحوافز ووضع السياسات الحمائية اللازمة.

وأوضح أن دور الدولة بالتوجه لهذه السياسة يتمثل بالتسويق السليم للفرص الاستثمارية الخاصة بهذه السلع، لجذب المستثمرين وإقناعهم بجدوى الدخول في هذه الاستثمارات.

وتقديم التسهيلات اللازمة للقيام بهذه الاستثمارات عن طريق تخصيص أراضي مملوكة من قبل الدولة لهذه المشاريع، ودعم سعر الفائدة للقروض الممنوحة لإنتاج هذه السلع من ضمن الـ 20 مليار ليرة المخصصة في موازنة عام 2019.

وتخصيص الراغبين بمقاسم في المدن الصناعية بأسعار تشجيعية مع زيادة في عدد الأقساط، وإعفاء مستوردات الآلات والتجهيزات وخطوط الإنتاج من جميع الرسوم الجمركية والمالية، والإضافات غير الجمركية في مرحلة التأسيس شريطة استخدامها حصراً لأغراض المشروع، إضافة إلى منح المشاريع التي ستبدأ بإنتاج هذه المواد تخفيضاً ضريبياً من ضريبة الدخل يتناسب مع طبيعة المشروع ويبدأ من تاريخ بدء التشغيل.

كما بين الوزير ًنه يتم حالياً دراسة العديد من الصناعات والقطاعات أهمهاصناعة الخميرة والورق والإطارات، والنشاء والقطر الصناعي إضافة للزيوت والحليب المجفف والصناعات النسيجية والأدوية النوعية، وأنه يتم دراسة كل سلعة وقطاع بشكل منفصل ودراسة واقع الإنتاج والمعامل التي تقوم بالإنتاج سواء كانت هذه المعامل عاملة أو متوقفة وأماكن وجودها وطاقتها الإنتاجية وحجم الاحتياجات وإمكانية المنافسة، ويتم بناء عليه تحديد أولويات التدخل على مستوى كل سلعة وتصميم السياسات الحمائية والإجراءات الضرورية بما فيها تقديم الدعم اللازم، وبالشكل الذي يتفق مع احتياجاتها الفعلية المبنية على تقييم دقيق للواقع.

العدد 1104 - 24/4/2024