النّخبـة…

ريم الحسين:

يبدو للوهلة الأولى مصطلحاً لإحدى الجمعيات السّرية أو عنواناً لفيلم من الخيال الهوليوديّ، لكنّه في الحقيقة هو الحلّ الأمثل للأزمات الّتي تمرّ بها البلاد على كل الأصعدة.

وهو ليس فقط عن دراسات نظريّة وإنّما عن تجربة عمليّة قامت بها كلّ الدّول المتقدّمة.

من هم النّخب؟ وما حاجة الدّولة إليهم لاستمراريتها ونهضتها؟

من البديهيّ للقارئ أن يعلم أنّهم مجموعة صغيرة من الأشخاص المسيطرين على موارد ماليّة ضخمة وقوّة سياسيّة تأثيريّة كبيرة. وبشكل عام، النّخبة تعني مجموعة من الأشخاص الأكثر قدرة على التّغيير من غيرهم وهم من كان يطلق عليهم في الماركسيّة اسم (الطّليعة) وتتعدّد المفاهيم والتّعريفات لمفهوم النّخب وتأثيرها لكنّهم بالمجمل الأشخاص المتميّزين والقادرين على الإبداع والقيادة، لكن هل يكفي هذا التّعريف العام؟ والأهمّ هو توظيف الدّولة لهؤلاء بما يكفل لها التّطور والحضارة.

باستقراء التّاريخ فإنّنا نجد أنّ الأمم في حركتها الحضاريّة صعوداً ونزولاً وانهياراً، لا تحركها الجماهير والعامّة، بل تقودها النّخبة سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وثقافيّة وعلميّة، فإمّا تُستثمر نحو النّهضة والتّقدم، وإمّا نحو الانهيار والسّقوط في التخلف والفقر والجهل والدّمار.

ووطننا اليوم يلتمس حاجته نحو النّهضة والتّقدم بعد هذه الحرب، وهو في أمسّ الحاجة إلى مثقفيه ونخبته لتقوده إلى الخروج من إفرازات هذه الحرب، وهذا يعني إمّا أن يقع بين أيدي نخبة مثقّفة وحريصة، أو يُهوى به في مهاوي التّخلف ويخرج نهائياً عن سكة النّهضة وتحقيق الازدهار.

وإن كان يُعتقد بأنّ النّخب هم الفئة القليلة، لكن توسيع هذا المفهوم وإسقاطه على جميع القادرين على العطاء ضرورة ملّحة في هذا الوقت، فإمّا أن نستثمر تلك النّخب وهي فرصة بعد هذا الخراب للبناء من جديد، أو أنّنا سنسابق دول العالم الثّالث في الانحدار ونبقى ساحة للاستنزاف.

وبإسقاط عادل، النّخبة في وطني نوعان فقط شهدت عليهم سنوات الحرب: الأوّل هم الأنبياء المرابطون على الثّغور أي النّخبة العسكريّة الّذين أدّوا مهامهم على أكمل وجه وتمّ توظيفهم بالشّكل الجيّد رغم وجود بعض الثّغرات ، هؤلاء الشّباب الأبطال هم النّخب الحقيقيّة والأمل الواعد ، هم خطّ الدّفاع الأوّل ويعوّل عليهم أيضاً حتّى بعد الحرب أن يحرسوا إنجازاتهم وما قدّموا لأجله أرواحهم وما سيؤدّي إليه عمل النّخب الأخرى، والنّوع الآخر هو المثقّفون والمختصّون في كلّ المجالات من السّياسة إلى الاقتصاد والاجتماع والفن وتكثر المجالات، وليس فقط المتميّزون بالمعرفة والخبرة وإنّما أصحاب القضيّة والمدافعون عنها، سواء كانوا من أصحاب المال أو الفقراء الكادحين، وهؤلاء لم يتّم حتّى الآن الاستفادة من قدراتهم وتوظيفها بالشكل الصّحيح، وهم الّذين نحتاج إليهم أكثر من أي وقت مضى لبداية مسيرة الإصلاح والوعي وعليهم يقع العبء الأكبر لجرف الجماهير والوطن إلى الضّفة السّليمة والأمان والاستقرار.

والأهمّ هو النّزاهة وهو ما نفتقده كثيراً حتّى بين النّخب وبذلك تسقط عنهم هذه الصّفة تلقائياً، لا يمكن لنخبويّ فاسد أن يبني وطناً وإنّما سيقود إلى تدميره. إضافة إلى نوع ثالث مضمّن داخل النّوعين وهو المقاتل المثقّف الواعي يحمل سلاح الحقّ والدّفاع عن وطنه بيد والعلم بيد أخرى، وهنا يأتي دور المال العام لاستثمار ما تملكه النّخب في النّهوض.

إنّ أشدّ مانعاني منه مسألة (وضع الرّجل المناسب في المكان المناسب) وإن حصل تراه منبوذاً أو غير قادر على التّغيير، لتنفيذ أيّ مخطط سويّ وسليم، يحتاج أصحاب القرار إلى تنفيذ أجندة تنقذ ما تم تخريبه وإعادة إعمار على كل الصّعد أفضل بكثير مما سبق، ليبدأ وطننا في التّعافي التّدريجي ومن ثم الرّقي والحضارة.

النّخب موجودة لكن ينقصها الدّعم والقرار الواضح وتفعيل العقوبات بشكل جديّ، وأن يطبّق القانون على الجميع، والتّحرك جمعاً نحو التّنمية والبناء والاستقرار والإصلاح الجذريّ.

المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1104 - 24/4/2024