الأماني والتحايا.. لعيدكم الأغرّ!

غياث رمزي الجرف:
أَحَــبـيـبَ هــذا الـنـشءِ
تسقيه على ظمأٍ دماكْ
حقَّرتَ ما وهبَ الكرامُ
أمـا وهـبتَ لـهم صباكْ؟!
تشكو النجومُ من السُّهادِ ولـيس تـشكـو مُـقلتـاكْ
(الأخطل الصغير)
(… قال الجميع: الإصلاح مستحيل؟! لكنني التفتُّ إلى المعلمين، وكانوا في بؤس وازدراء، ومنحتهم أعلى الأجور، وقلت لهم: أنا أبني لكم أجهزة الدولة، وأنتم تبنون لي الإنسان!).
(لي كيوان يو /مؤسس سنغافورة)
_1_
شهر آذار، في ناموس الطبيعة ومسيل الزمن، شهر له لونه وشكله ومذاقه الفريد الخاص، وسماته المتميزة، وتفصيلاته البديعة.. تبوح الأرض فيه بأسرارها الفاتنة، وتمور بالمحبة وشذا الأزهار وعطر الياسمين.
وشهر آذار في تاريخنا الوطني والقومي والإنساني يعني التجدد الدائم والأمل.. ويعني ميلاد نهار أخضر رحيم، نوره لا يريم.. أَوّله عيد المرأة العالمي؛ عيد الخصب والنماء والوجه المشرق والجميل من الحياة، وختامه يوم الأرض الخالد، وبينهما عيد المعلم العربي، عيد الإخلاص والتضحية والعمل الجليل، ورمز البناء الأسمى والأرقى والأنبل، وعيد الأم، عيد الإيثار العالي، والعطاء اللامحدود، والحضن الحاني الدافئ، والمدرسة الأولى في بناء كل شيء.
_2_
أيّها الحاضرون/ الغائبون
إنّ جوهر العمل التربوي يكمن في بثّ الحياة في أوردة الفكر وخلاياه حتى يمتلك القوة والقدرة على تحريك الواقع الإنساني نحو كل ما هو أجمل وأنبل وأفضل وأكثر إنسانية. أنتم مشاعل نور في بلدنا، قبستْ منكم الأجيال العديدة، ونهلتْ منكم العلم والمعرفة. وشعبنا العربي السوري الأبي وجد فيكم، دائماً وأبداً، رواداً في مجال التربية والتعليم، وطلائع في النضال الوطني. كنتم، وكانت مدارسكم باستمرار مصانع الوطنية والقومية والإنسانية، ومنارة يَعْبر الناس من خلالها من الظلمة إلى الضياء، من العتمة إلى النور، من الجهل إلى المعرفة.
حين سُئل الفيلسوف الرائد (سقراط) عن مهنته قال: إنّي اصطنع مهنة التوليد، إلا أنني لا أخرج للوجود أجساد البشر. لكن أخرج عقولهم الكامنة في نفوسهم. فالإكرام والسلام على كل الذين يصطنعون هذه المهنة الشاقة والنبيلة، هذه المهنة/ الرسالة التي تبني الإنسان عقلاً وروحاً ونفساً وعلماً ومعرفة وثقافة ووعياً وتربية خلّاقة.
أعلِمتَ أشرفَ، أو أجلَّ من الذي يبني، وينشئ أنفساً وعقولا؟
_3_
أيّها المعلمون الشرفاء، الأجلاء
أعرفُ أنّ الحزنَ النبيل، والشّجن الإنساني العميق يعتريان روحكم المترعة بالخصوبة والعطاء، وأعرفُ أنّ عمركم مسروق، وفؤادكم محروق، وفضاءكم مجهول، وأحلامكم مكسّرة، وخطواتكم مقيّدة، وأوجاعكم وجيعة. وأعرفُ أنّ حياتكم تنشطر إلى نصفين ونيّف: النصف الأول يكونُ مهموماً مغموماً، ومستوراً مسحوراً، والنصف الثاني يكون منهوكاً، مكلوماً، واسع الفجوات. أما النيّف فيكون مهتوك الستر، ومقصوم الظهر، ويتيم الأب والأم والأخ والأخت والعالمين أجمعين.
وأعرفُ أنكم، على الرغم من الفاقة المقيمة، والمفارقة الأليمة والكذب والمخاتلة والخراب المعنوي والمادي، تقبضون على وطنكم وشرفه وكرامته مثلما تقبضون على شرفكم وكرامتكم، وأنّ قِبلتكم الحرية والحق والجمال. تقفون كالطود في وجه القيد والظلم والقبح، لأن العدل والحرية، والفرحة، والبهجة الحقيقية، اللامستعارة، والزمن الأخضر قادمون وإنْ طال المسير.
_4_
أيّها المعلمون الوطنيون، نحتفي بعيدكم هذا العام والوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه يمرّ بظرف تاريخي معقد وحرج وفي غاية الخطورة، فالتحديات والمؤامرات والترهيب والدمار والدماء ومحاولات التجويع والتركيع تحيط به من كل جانب، ووطننا سورية واجه حرباً كونية همجية، إرهابية، تكفيرية ودموية غير مسبوقة تستهدف وجوده ورسالته وموقفه الريادي، ودوره المركزي، وهويته العربية المقاومة، ووحدة أرضه وشعبه، فحلم التقسيم ما زال يراود أحفاد سايكس/بيكو، ولكن سورية الأبية برجولة وشرف وكرامة، صمدت، ودافعت، وانتصرت، وألحقت الهزيمة بأعداء الوطن والإنسانية.
_5_
وبعد؛
في حضرة عيد المعلم العربي الأغرّ نشدُّ، وأسرة (النور) بكل احترام ومودّة ومحبة، على يد كل معلم وطني، شريف، مخلص، على امتداد الجغرافية السورية والعربية، ونكلّل هامته بالغار، ونضع على صدره وسام شكر وتقدير وعرفان!
giathaljrf30@gmail.com

العدد 1104 - 24/4/2024