فضاءات ضيقة | الثقافة.. والمثقف
د. عاطف البطرس:
لا يمكن الحديث عن الثقافة ودورها في حياة المجتمعات، إلا إذا تحدثنا عن المثقف الفاعل في الحياة الاجتماعية.
والحديث عن المثقف يستدعي تعريفاً موجزاً ومحدداً له، بنية ودوراً، فمن هو المثقف؟
هل كل من يحصل على جملة من المعلومات والمعارف العلمية أو التاريخية أو الاجتماعية أو السياسية يصبح أهلاً لحمل صفة المثقف؟
ثمة فرق بين من يملكون مثل هذه المعلومات والمعارف، ومن يجسّدونها في الواقع سلوكاً وفكراً ويعملون على نشرها على أوسع نطاق، بشكل شفوي أو مكتوب، أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ويرون ذلك جزءاً من مهامهم اليومية.
المثقف هو ذلك الإنسان الذي يمتلك معارف ومعلومات متجانسة متكاملة إلى حد ما، تخوّله اتخاذ موقف أقرب ما يكون إلى الصحة، من الأسئلة التي تطرحها عليه الحياة والمجتمع كبيرة، أو صغيرة، فردية أو جمعية.
هناك من يقول كل إنسان أياً كان موقعه من عملية الإنتاج الاجتماعي هو مثقف بهذا القدر أو ذاك، لأنه يجيب سلوكياً عن أسئلة الحياة ويساهم في العملية الاجتماعية، بغض النظر عن سعة معارفه ومعلوماته وعمقها.
الحديث يدور عن المثقف الذي يمتهن الثقافة ليس كمعرفة ومعلومات، وإنما كوظيفة وعمل، فهو منخرط في العملية الاجتماعية، مجيب عن أسئلته المستجدة التي تحتاج إلى أجوبة متغيرة متبدلة بتبدل الأوضاع الحياتية والمهام التي تطرحها.
هناك مثقفون دون شك في الجامعات والوزارات واتحادات الكتاب، لكنهم يحصرون نشاطهم الثقافي والمعرفي ويعزلونه عن وقائع الحياة اليومية، مثل هؤلاء يمكن أن نطلق عليهم صفة المثقف الحِرَفيّ المختصّ في مجال محدّد، أما ما نعنيه من الثقافة والمثقف فهو من يمتلك وجهة نظر شاملة عامة ويقوم بدوره الاجتماعي وفقاً لمعطياتها.
من الملاحظ عند المثقفين، على مختلف مستوياتهم وتباينها، تضخّم الذات لديهم وعزلها عن العضوية الاجتماعية، والخلط بين الفرد (الشخصي) والعام، فيبالغون بدور الشخصي مغيبين العام، متجاهلين أن الانطلاق من الخاص وتعميمه هو خطأ منهجي، لأننا إذا تجاهلنا العام فسنصطدم في كل خطوة نخطوها.
العلاقة بين الخاص والعام تتجلى في البنية التكوينية للمثقف، فهو مزيج بينهما، وعليه أن يجد العلاقة الناظمة لوحدة تجليات العام والخاص في تكوينه وفي سلوكه.
المثقف رائد في أهله، وعليه مسؤوليات جسام تكبر وتتعاظم طرداً مع المواجهات التي يمر بها مجتمعه وبلده، وانكفاء المثقف عن المساهمة في القضايا العامة و انسحاب وتراجع من ساحة الفعل، وهي مسؤولية تاريخية لا تعفيه الحياة منها، ولا الأجيال القادمة، لأنه أصلاً ابن المجتمع، فيه نشأ وعليه أن يساهم في تقديم أجوبته على أهم وأبرز همومه ومشاكله.