غربة الشباب بين مرحلة الحب والزواج

وعد حسون نصر:

تختلف حياتنا باختلاف أعمارنا وأوضاعنا، من مادية إلى اجتماعية بما فيها حالات السعادة والحزن، كذلك نتغيّر بتغيّر المكان والزمان، ففي كل مرحلة من عمرنا تختلف تطلعاتنا ونظرتنا إلى الأمور عمّا سبقها من مراحل.

ولعلّ فترة ما قبل الزواج والاستقرار تختلف عمّا بعده من حيث الالتزام بالأسرة والأبناء ومتطلباتهما. ففي فترة الحب من الطبيعي أن نُظهر أفضل ما لدينا من عادات وطباع، وأفضل ما لدينا من لباس، بالتالي هي ساعات قليلة سوف نقضيها بصحبة الشريك ولا داعي للإزعاج، نتقبّل كل شيء بابتسامة، ونعتبر التشدد على اللباس والضحكة واللعب غيرةً مشروعة تدغدغ مشاعر الحب. لذا، كلما زاد تأنيب الشريك اعتبرناه حباً شديداً لنا، والكلام ينطبق على الجنسين طبعاً، فمن الطبيعي بفترة الحب والخطوبة ومرحلة الجامعة أن نكون أكثر اهتماماً بالكلام الجميل والبقاء برفقة الشريك أطول فترة ممكنة، ولا نهتم لما يصدر من أفعال مستهجنة، هي ساعات من الزمن نمضيها ليذهب كلٌّ منّا بعدها إلى منزله ويدخل بعادات وتقاليد أسرته بعد أن ركنها قليلاً خلفه ريثما أنهى ساعات حب ولهو برفقة أقرانه.

لكن، لا بدَّ أن يظهر كل شيء على حقيقته، وخاصةً بعد قرار الشريكين الارتباط بشكل رسمي والدخول في عالم الأسرة الحقيقي بعيداً عن حالات الحب وساعات اللهو، وهنا لابدَّ أن تبدأ المشاكل وتظهر الوجوه دونما أقنعة، لتظهر عادات وتقاليد الشريكين وكل منهما يحمل معه أفكاراً متوارثة عن أسرته الكبيرة لا يمكن أن يبقيها خارج المنزل طويلاً أو أن يدخل من دونها، فقد أصبحنا تحت سقف واحد، وكل شيء مشترك على مدار ساعات النهار والليل، فلا مجال للهو واللعب أمام الواقع والالتزامات الجديدة، ولا مكان للتحرر في مجتمع شرقي أمام أم وأب يرفضون مفاهيم كثيرة للحرية سواء باللباس أو التصرفات أو حتى الكلام، لتبدأ مرحلة جديدة من إعادة ترتيب كلماتنا وسلوكيتنا بحياتنا الجديدة ضمن الأسرة الجديدة، حتى بعلاقتنا مع أطفالنا والتي تبدأ بفرض أفعال وسلوكيات عليهم كنا نحن نرفضها.

لعلَّ الواقع والمجتمع هو من فرض علينا أن نتمسك بعاداته وإن كنّا قد تخلينا عن الكثير منها، لكن يبقى قيد القيم الأساسية شديد الوثاق على تفكيرنا وتصرفاتنا، لذلك لا يمكن أن نتجاهل الشرقية فينا خاصةً أننا بلد يحكمه الدين قبل القانون، وترسم معالمه العادات قبل الحضارة، فمهما حاولنا أن نلحق بموكب الحداثة لابدّ أن نقف أمام حاجز العيب والحرام، وبالتالي لا يمكن أن نستمر بأفكارنا وما تحمله من حرية وتحرر مع قدوم أول طفل.

خوفنا من الآخر ومن المجتمع يفرض علينا العودة إلى أفكار الآباء والتمسّك بها أكثر، كما لا يمكن أن نصف فترة الحب والخطوبة أنها تحمل معها الزيف والكذب بالمشاعر، لأننا أنفسنا لا نعرف هموم الأسرة، وفي مرحلة من العمر نريد الجميل والسهل، نسعى لنحظَى بكلّ جميل وبأطول وقت حر وبعيد عن التعقيد والكبت، وما إن نصطدم بالواقع حتى نعود للسلف، لتبقى مشاعرنا سواء في الزواج أو الخطوبة أو الدراسة محمّلة بنوع من الصدق وإن كان أصدقها ما بعد الزواج، فهي حقيقية أكثر لأنها تركن أقنعتنا خارجاً وتجعلنا نقف على حقيقتنا.

العدد 1104 - 24/4/2024