الانتصار على الفقراء.. لا لهم

إيمان أحمد ونوس: 

أيام قليلة ونودّع عاماً من عمر الحرب سُمّي عام الانتصار. عام أبعد الموت والخوف والرعب عن العديد من المدن والمناطق، فكان أول عام يُحيي فيه الناس أعياد الميلاد ورأس السنة بفرح وأمان لا يشوبه صوت القذائف أو رائحة الموت والدمار، مثلما هو العام الأول الذي يشهد امتحانات المدارس والجامعات بلا قلق من الأهل على الأبناء. وهذا يقودنا إلى أن الأمان والأمن هما أساس الحياة بكل أبعادها وتجلياتها وما تحمله لكل إنسان منّا.

لكن، هل يقتصر الأمن والأمان على خلو الحياة من أزيز الرصاص أو دوي الانفجارات والقذائف؟ وهل يقتصر الموت على الحروب وتداعياتها؟ أم هل ينحصر الفقر والجوع والقهر فقط بالحروب؟ وهل وهل وهل… الخ. أسئلة تجوب خاطري وخاطر كل سوري باعتقادي بعد ثماني سنوات من أشنع وأفظع حرب شهدتها البشرية!!

خلال سنوات الحرب هذه قَبِلَ السوري وتقبّل كل أنواع القهر والفقر والجوع والتشرّد، وكان في كل عام يأمل أن يتخلّص منها جميعاً أو من بعضها بمجرد أن تحطَّ الحرب أوزارها، ويصمت صوت الرصاص أو تخمد نيران القتل وحرائق البيوت والممتلكات. لكن ما الذي حصل في عام الانتصار هذا؟  هل انتصر السوري على فقره وجوعه وتشرده؟ أم هل انتصر على أحزانه وقهره الذي لازمه طوال سنوات الحرب حين فقد بيته وعمله وحتى أبناءه الذين رحلوا موتاً أو هجرة أو خطفاً واعتقالاً؟

حين نتلمّس حياتنا، نحن السوريين، نجد أننا بتنا بمواجهة أشدّ وأعنف مع الحياة اليومية من تلك التي عشناها خلال الحرب، وما تلك الشدّة وذلك العنف إلاّ لأننا لم نلقَ ما يليق بصبرنا والتضحيات والمآسي التي عشناها وعانيناها كل تلك السنوات، إن كان على مستوى الجوع والفقر والقهر، أو على مستوى الكرامة التي كان من المفترض أن نشعر بها بعد بذلك الانتصار! فنحن ما زلنا بيادق تُحرّكها قوى الفساد وحيتان السوق الممسكة بتلابيب الأمور والمُصدّرة لمختلف القرارات التي تنتصر لهم لا لأولئك الفقراء الذين صبروا على كل أنواع الذل والقهر في سبيل الانتصار على الموت والحرب والدمار وصولاً إلى كرامة تليق بهم كسوريين وقفوا ضدّ كل ما يرمي إلى إخضاع بلدهم وتبعيتها، وبالتالي كان من المفترض أن يجنوا أبسط ثمرات الانتصار والمتمثّلة بالأمن الصحي والغذائي وووووالخ، وأيضاً بإيجاد سقف يأويهم بعد أن التهمت نيران الحرب وجشع تجّار العقارات منازلهم أو أجرتها التي باتت شبحاً يقضُّ مضجع لياليهم!

نعم، لقد أمل الفقراء وذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل بما يُنسيهم سنوات الجمر والجوع والذل، لكن الذي حصل أنهم ازدادوا فقراً وجوعاً أكثر ممّا مضى، فالغلاء التهم كل مقدراتهم وصبرهم الذي لم يعد بعده من أمل يرتجوه، لاسيما في ظلّ صمت حكومي عن واقعهم المأساوي الذي يعيشون، باستثناء خطط وشعارات واهية لم تلامس يوماً ولو حافّة من حواف الواقع، بسبب فسادٍ مستشرٍ يخيّم على كل مفاصل الحياة والحكومة معاً، فساد إن لم يتمّ استئصاله من جذوره، فلا أمل يُرتجى لا برحيل عام منصرم أو باستقبال عام لن يكون أفضل إن بقينا على ما نحن عليه اليوم… فهل تسمع الحكومة بكل مفاصلها ومسؤوليها أنين السوريين مع نهاية عام الانتصار والأمل المفقود، فتُعيد بعضه لمن صمد وصبر وضحّى من أجل كرامته وكرامة سورية وشعبها؟!   

العدد 1104 - 24/4/2024