المصارف الحكومية.. متى الإصلاح؟!

مازالت المصارف العامة في سورية حتى الآن تدور في فلك الوعود الحكومية المتعلقة بإعادة هيكلتها، تلك الوعود التي أطلقتها الحكومات السورية منذ نهاية الثمانينيات، والتي ماتزال تطلقها حتى اليوم، ولكن من دون أن تتخذ أي خطوة عملية على أرض الواقع من أجل تنفيذها، ونتيجة لذلك تراكمت مشكلات المصارف العامة، وتعقدت أكثر، من النواحي كلها، الإدارية والمالية والتشريعية والتكنولوجية.

ورغم أن الحكومات المتعاقبة قد بدأت بترميم الواقع المصرفي العام منذ سنوات، إلا أن ذلك الترميم بقي مجرد عمليات منفصلة تخص كل مصرف وحده، من دون ربطه بالمنظومة المصرفية ككل بشكل عام، أي أن الجهاز المصرفي العام لم يشهد حركة إصلاحية شاملة تخصه بالكامل، ولم تتخذ بشأنه قرارات على مستوى القطاع تُعنى بإصلاحه وتطويره.

وإضافة إلى موجات التصريحات الحكومية في ذلك الاتجاه، فقد صبت الكثير من الدراسات الاقتصادية آراءها حول تلك النقطة ذاتها وذلك منذ حوالي 30 عاماً. لقد طالبت هذه الدراسات الاقتصادية المستقلة والجادة بضرورة إعادة النظر في بنية القطاع المصرفي والتعامل معه كقطاع شامل وليس كمصارف مستقلة، ومنحه المزيد من المرونة والتطوير كي يكون رافعة مالية ونقدية للاقتصاد كله.

وكان التساؤل الذي يطرح دائماً ما هو مبرر وجود أنواع متعددة من المصارف الحكومية كالتجاري والعقاري والصناعي والزراعي والتسليف والتوفير رغم إمكانية دمجها في مصرفين أو ثلاثة مثلاً، يجري توجيه النشاط منها في اتجاهين: نشاط للتمويل الصناعي والتجاري بعد دمج المصرفين الصناعي والتجاري، والآخر للتمويل الشخصي ناتج عن دمج مصارف التسليف والتوفير والعقاري معاً، يقدم أنواع التمويل الباقية للأفراد كافة.

إن المصرف الأول متخصص في العمليات المصرفية على المستوى الكلي وعلى مستوى المؤسسات، فيما يتخصص المصرف الثاني على المستوى الفردي والشعبي والعام فقط.. كما أنه من الممكن الإبقاء على المصرف الزراعي كمصرف مستقل لخصوصية النشاط الزراعي.

ومع تحرير القطاع المصرفي الذي بدأ بالقانون رقم 28 لعام 2001 وصدور عدد من المراسيم الأخرى المتعلقة بغسيل الأموال والسرية المصرفية، فقد توقع الكثيرون أن تتحرك الحكومات المتعاقبة وتكون أكثر مرونة تجاه المصارف العامة، وتعيد هيكلتها بأسرع وقت ممكن كي تنافس بشكل أفضل في سوق مصرفية باتت مفتوحة.

إن حالة احتكار السوق المصرفية قد انتهت تماماً، والمنافسة باتت تحكم أداء المصارف كلها، ولقد بدأت المصارف تستقطب الودائع، وتمنح القروض، وتستحوذ على نسبة جيدة من السوق المصرفية.. إلا أن تلك التحولات كلها لم تدفع الحكومات السورية المتعاقبة إلى الاستجابة للظروف الجديدة، بل بقيت المصارف العامة ترزح تحت عبء التعددية المصرفية والبيروقراطية والروتين، وبطء إنجاز الإصلاحات الإدارية والتكنولوجية فيها، في ظل بنية مصرفية محلية وعالمية سريعة التغيير.

يبدو أن فكرة الإصلاح الشامل للنظام المصرفي السوري مازالت مجرد فكرة فقط في رأس الحكومة، وربما كانت تصريحات إعادة الهيكلة والإصلاح مجرد موجات أو هبات حكومية، كما هي موجات التصريحات الكثيرة التي تطول العديد من القطاعات الأخرى بين الآونة والأخرى، دون أن يزامنها أي فعل ملموس وأي قرار حاسم.

العدد 1104 - 24/4/2024