يا فقراء العالم… انهضوا من تحت ركام عوزكم!

إيمان أحمد ونوس: 

يُعتبر الفقر أحد أهم مُعيقات التطور والتقدّم والرخاء على مستوى الأفراد والحكومات، وبالتالي عموم المجتمعات. ذلك أنه يشتمل في معناه الواسع على أنواع مختلفة تعمل جميعها على كبح السير باتجاه الحياة اللائقة لأي إنسان. فهناك الفقر المعرفي، العلمي، الروحي، الأخلاقي، والمادي… الخ. لكن أكثر ما يُعيق حياة الإنسان من أنواع الفقر المذكورة أعلاه، هو الفقر المادي والعوز وشحّ الإمكانات اللازمة للعيش في أبسط أشكال البقاء على قيد الحياة والذي يُنتج باقي أنواع الفقر الأخرى.

ولعلّ أسباب هذا الفقر المنتشر في كل المجتمعات البشرية، متعددة ومتنوّعة وتعود لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية.

فالأسباب الذاتية تتجلى بالفقر المتوارث عن الآباء أو البيئات دون محاولة لتغيير هذا الواقع إن أمكن ذلك أحياناً، وكذلك عدم رغبة الفرد أو العمل على تحسين وضعه المادي، من خلال استسلامه لهذا الواقع واستسهال الحصول على لقمة العيش عن طريق التسوّل أو الإعانات والمساعدات الخارجية، أو اللجوء إلى أعمال غير أخلاقية كالسرقة أو الدعارة وما شابههما. أو لعدم توافر فرص العمل والإمكانات المُساعدة على تخطي هذا الفقر أحياناً أخرى.

أمّا الظروف الموضوعية، فتتجلى بكل ما هو خارج عن قدرة الفرد فعله لتخطي فقره، وبالتالي هي أسباب تتعلّق أولاً بالموارد والثروات الطبيعية المتوافرة لدى الدولة، ومن ثمّ  بآلية عمل الحكومات على استثمار تلك الموارد بالشكل الأمثل، وتوزيع عوائدها على عموم المواطنين الذين لهم الحق في تلك الموارد حسبما ينص الدستور، إضافة إلى وضع الاستراتيجيات والخطط القريبة أو بعيدة المدى لتحسين معيشة مواطنيها من خلال توفير فرص العمل، أو المساعدة على إيجاد تلك فرص من خلال القروض أو المِنح التي تؤسّس لمشاريع فردية أو جماعية تعمل على تقليل حدّة الفقر والجوع في المجتمع.

غير أننا إذا ما نظرنا إلى واقع العديد من دول العالم، نجد أن حوالي ثلثي البشرية تقع في خانة الفقر، وقسم كبير منها يقع ما دون خط الفقر بالنسب المُحددة عالمياً، وهذا يُشير إلى سوء توزيع الموارد والخيرات على الناس وإشاعة مبدأ العدالة الاجتماعية، وقبل هذا يُشير إلى أن الحكومات المعنية بهذا التوزيع وبتحسين أحوال ومعيشة مواطنيها بعيدة كل البُعد عن مهامها الأساسية تلك، ومنغمسة إلى أبعد الحدود بأهدافها الشخصية المتمثّلة باستغلال نفوذها وسلطتها عبر فساد يزيد من حدّة الفقر ويُعيق ارتقاء الفرد والدولة معاً، وبالتالي فتح الأبواب على مصراعيها إمّا للمساعدات الخارجية المشروطة بشروط تحدُّ من السيادة الوطنية، أو الوقوع تحت سنابك خيول الدول الغنية التي تعمل على تعزيز مواردها وقدراتها على حساب الفقراء إمّا بإشعال الحروب أو النهب المنظّم لخيرات البلاد ومواردها الطبيعية والبشرية، وهذا ما يستدعي من كل الفقراء في العالم أن ينهضوا من تحت ركام فقرهم وعوزهم، ويثوروا أولاً على حكوماتهم الفاسدة، وصولاً إلى الاستقلال والسيادة الوطنية التي تحمي جميع المواطنين من خلال فرض العدالة الاجتماعية القادرة على إزالة كل الفروق والتمييز في المجتمع.

العدد 1102 - 03/4/2024