تربية بيئية

محمود هلال:

صادف الأول من الشهر الجاري اليوم الوطني للبيئة في سورية، وجرت العادة أن تُقام في هذه المناسبة نشاطات بيئية مختلفة في كل المحافظات السورية: حملات نظافة للشوارع والأنهار، غرس أشجار، ندوات توعية وغيرها. أكيد أن القيام بتلك النشاطات الاحتفالية مفيد وضروري في حياتنا المجتمعية، مهم وجميل أن نغرس شجرة، لكن الأهم هو أن نقوم بسقايتها وحمايتها حتى تكبر وتغدو وارفة الظلال، وهنا لابد من التركيز على التربية البيئية، ودور الأسرة في هذا المجال.

تهدف التربية البيئية كمفهوم إلى بناء المواطن الإيجابي الواعي بمشكلات البيئة. والتربية البيئية ليست فكراً نظرياً فقط، بل هي أيضاً ثقافة تربوية تطبيقية تتجلى بالفعل والممارسة والجهد المشترك لضمان بيئة صحية سليمة تستجيب للأزمات التي تواجه البشرية.

إن عملية التطبيع الاجتماعي للأبناء تتحقق من خلال كل مؤسسات المجتمع التي يتفاعلون معها، إلا أن أكثر هذه المؤسسات تأثيراً هي المؤسسة الأسرية. فالأسرة هي العمود الفقري الذي يشكل اللبنات الأولى لأي جماعة إنسانية، ولذلك فإن أهمية الأسرة تتضح في تشكيل شخصية الطفل، كما أن الأسرة هي المسؤولة خصوصاً في السنوات الأولى من عمر الطفل عن كثير مما يرد للطفل من مؤثرات. فهي البيئة الاجتماعية الأولى التي يبدأ فيها الطفل بتكوين ذاته عن طريق عملية التفاعل الاجتماعي المتمثلة في الأخذ والعطاء، وفي هذه البيئة الاجتماعية يتلقى الطفل أول إحساس بما يجب القيام به. وقد تعارف المربون على أن من وظائف الأسرة الهامة: تهيئة بيئة صالحة للطفل لتحقيق حاجاته المتعددة وإعداده للمشاركة في حياة المجتمع، مع تزويده بالوسائل التي تهيئ له تكوين ذاته داخل المجتمع.

وتأسيساً على ما سبق، تصبح الأسرة أهم مؤسسات المجتمع في تهيئة الأفراد للحفاظ على البيئة وحمايتها ودرء المخاطر عنها، ومنها يكتسب الأبناء المُثل العليا وقيم النظافة وترشيد الاستهلاك مما ينعكس إيجابياً على البيئة. إن ما يكتسبه الأبناء من سلوكيات إنما يأتي من خلال تعايشهم اليومي مع أسرهم حيث تتشكل اتجاهاتهم من خلال مشاهداتهم اليومية لما يمارسه الأبوان. وتكاد تكون التربية بالتقليد والمحاكاة من أهم وسائل التربية التي يمكن أن تلجأ إليها الأسرة لبناء اتجاهات إيجابية فعالة عند الأبناء نحو البيئة وتعزيز قيم المحافظة عليها.

لقد دمرت الحرب بيئتنا السورية، وجرت اعتداءات على البيئة بمختلف الأشكال، مساحات واسعة من الأراضي والغابات تحولت إلى يباس، وآلاف الأشجار الحراجية والمثمرة قُطعت وسُرقت وبيعت من قبل تجار الحروب للتدفئة، فضلاً عن تلويث الهواء وتسميم الأجواء في العمليات البدائية لتكرير النفط المسروق، وتلويث مياه الأنهار والينابيع ومصادر مياه الشرب، مما تسبب بانتشار الأمراض والأوبئة وغيرها، وقد عانى الناس كثيراً بسبب ذلك.

واليوم وقد حطت الحرب أوزارها لابد من إطلاق حملات نظافة شاملة من جديد، وإعادة بناء ما خربته الحرب، وفق سلم أولويات يكون بالدرجة الأولى فيها بناء الإنسان.

لاشك ستكون هناك خطط للمحافظة على البيئة من التلوث، البيئة بجميع عناصرها، وكل أساسيات حياة أي كائن حي يجب أن نحافظ عليها ونحميها من التلوث أيا كان. فكلنا بحاجة إلى تلك الخطط، ولكن لنخلق إنساناً صادقاً بحب وطنه ونقياً بأفكاره، وخالياً من أي جراثيم تهدد وجوده.

هذا هو يوم البيئة الذي نريده ونصبو إليه، حماية الإنسان من كل تلوث أخلاقي ونفسي.

ولكي نحقق الهدف الأسمى، يجب أن نضع كل ثقلنا في بناء الأساس الأول لأي مجتمع، والخلية الأولى لبناء مجتمع سليم وهي الأسرة التي هي البذرة الصالحة لإنتاج الإنسان السوي والقويم عبر التربية الصالحة، وعبر غرس كل القيم النبيلة العليا، قيم الخير والحق والجمال.

نعم، لنضع كل خططنا في هذه الأسرة التي ستبني الإنسان السوري النقي، والمجبول في حب وطنه وأرضه، ومستعد للدفاع عنها ضد أي عدوان.

العدد 1102 - 03/4/2024