كارثة إنسانية يعيشها أطفال سورية
بدأت انعكاسات الأزمة السورية تظهر في الأوساط الصحية، مع تأكيد منظمة الصحة العالمية ظهور عشر حالات من مرض شلل الأطفال في دير الزور من أصل 22 طفلاً يعانون شللاً رخوياً في الأطراف مصابين بالمرض، وحذرت المنظمة من احتمالات تفشي المرض في سورية ودول الجوار بحكم طبيعة الفيروس، وذلك في ظل انخفاض نسبة التلقيح والعلاج الطّبي ضد الفيروس المسبب لهذا المرض، الذي عاد للظهور بعد غياب سنوات، نتيجة سوء الرعاية الصحية والتلوث. وبحسب صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية (في عددها الصادر 4تشرين الثاني) فإن غالبية حالات شلل الأطفال كانت لأطفال في عمر العامين أو أقل، أي لأطفال ولدوا وأصيبوا أثناء الأزمة الراهنة، مشيرة إلى أن معدل التحصين ضد شلل الأطفال في سورية انخفض من91% عام 2010 إلى 68% فقط عام ،2012 وأن هناك الكثير من المناطق التي يصعب على وزارة الصحة الوصول إليها بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد، علماً أن أي حالة مماثلة لم تسجل في سورية منذ العام 1999.
وفي تصريح صحفي، لوزير الصحة السوري الدكتور سعد النايف حول نتائج مشاركته في الدورة 60 للجنة إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، قال: إن (الوزارة طلبت خلال اجتماعات الدورة من المنظمات الدولية رفع النداء حول مخاطر انتقال مجموعات بشرية بشكل غير شرعي إلى سورية، من دول موبوءة بفيروس شلل الأطفال وأمراض معدية أخرى، ولاسيما أن الفحوص المبدئية لحالات شلل الأطفال في دير الزور عبر مخابر تابعة لمنظمة الصحة العالمية أظهرت أن الفيروس باكستاني المنشأ)، مؤكداً أن اللقاحات متوفرة بكل المدن، وأن حملة التلقيح تُنظم بالتعاون مع المنظمة الدولية إضافة إلى تعاون المجتمع المدني، للتأكد من إيصال اللقاحات إلى كل المناطق.
ويُعتبر شلل الأطفال مرضاً شديد العدوى يصيب الأطفال بعمر أقل من خمسة أعوام، ويسبِّبه فيروس شديد العدوى يصيب الجهاز العصبي بدرجات متفاوتة، وتحدث العدوى من طريق براز الشخص المصاب المحتوي على الفيروس، إذ تصبح الفرصة مهيأة لسريان العدوى في المجتمع بخاصة في البيئة الملوثة أو في ظروف ضعف النظافة الشخصية. وتظهر أعراض المرض في واحد فقط من بين كل عشرة أشخاص مصابين، وتضم الأعراض الأولية الحمى والتعب والصداع والتقيّؤ وتصلّب الرقبة والشعور بألم في الأطراف. وتؤدي حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شلل عضال (يصيب الساقين عادةً)، وفي حال أصاب الفيروس العضلات التنفسية قد تحدث الوفاة، وهي نسبة تتراوح بين (5-10في المئة) من المصابين بالشلل. لا يوجد علاج للمرض، إلا أنه يمكن الوقاية منه، وذلك بتلقّي جرعات عدة من لقاح الشلل الذي يُكسب مناعة مدى الحياة، إضافة إلى توفير المياه الصالحة للشرب، والاهتمام بنظافة البيئة المحيطة ومعايير النظافة الشخصية، مثل المداومة على غسل اليدين بالماء والصابون. كما يمكن أن ينتشر الفيروس بسرعة، لاسيما في الظروف غير الصحية التي يعانيها النازحون في سورية، أو في مخيمات اللجوء المزدحمة في البلدان المجاورة، وتحذر منظمة الصحة العالمية بشكل متكرر من أن وجود طفل واحد مصاب بعدوى شلل الأطفال يجعل الأطفال في كل مكان بخطر.
التحدي كبير
تواجه سورية تحدياً كبيراً لإعادة تكثيف حملة التلقيح ضد المرض، وعلى الرغم من أن عدد الإصابات داخل البلاد مازال غير دقيق، إلا أن المؤكد هو ظهوره وهو ما يحتاج إلى حلول فورية، خاصة أن التنظيمات الإرهابية تمنع وصول الخدمات الصحية وحتى اللقاح إلى المواطنين حتى إنها اعترضت طريق قوافل المساعدات الإنسانية مرات عدة، وقامت بحسب نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، بمصادرة والاستيلاء على هذه القوافل وتوزيعها على المسلحين، ولم تمكنها على الإطلاق من الوصول إلى جماهير الشعب السوري وأطفال الشعب السوري. بالمقابل فإن الحملة العسكرية التي ينفذها الجيش العربي السوري في عدة مناطق أعاقت وصول اللقاح والدواء والغذاء إلى مناطق عدة، ما كان له انعكاسات إنسانية سلبية على الشعب.
يشار إلى أنه وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية يوجد أكثر من 100 ألف طفل أعمارهم دون ال 5 سنوات هم عرضة للإصابة بشلل الأطفال في دير الزور. ومن جهتها أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، مؤخراً أن نحو خمسمئة ألف طفل داخل سورية لم يتلقوا اللقاح ضد شلل الأطفال خلال العامين الماضيين. أرقام كثيرة توحي بكارثة إنسانية تتهدد مستقبل أطفال سورية القريب والبعيد، ومعها بات الوصول إلى الأطفال في جميع المناطق السورية التي مزقتها الأزمة ضرورة، من أجل تقديم اللقاحات المنقذة لحياة شباب ونساء المستقبل، وكفانا كوارث سنحصد نتائجها في الغد القريب..!