تشكيلات حجرية للامتناهي علي حميشة في معرضه الأخير

برعاية الجمعية الوطنية لإنماء السياحة في سورية أقيم في المتحف الوطني في اللاذقية معرض للفنان علي حميشة، وكان تحت عنوان (حجر يتفتق على الليل يتعرى عن الكائنات)، في فضاءٍ تملؤه ثلاثيات الأبعاد متطاولة أحياناً، منضغطة أحياناً أخرى، تركض عناصر مكونات علي حميشة تبحث عن مكان للمعنى والجمال. في لوحات غريبة ولافتة يستقر الفنان علي حميشة على الحصى والزجاج ومواد أخرى في بناء تشكيلات فنية، لها من الغرابة عنوان يفضي إلى عالم من اللامتناهي و الغامض. فقوة العناصر للوحة، والتكرار المهيب في تجميع الحصى وتكوينها، يديره إحساس فني جمالي يعبر عن قدرة الفنان الخاصة على الخلق الفني، وخضوعه لضرورة الخيال ما يدل على أعماقه الخصبة والخلاقة، النابعة من مأساة العقل في بحثه الدائم عن الإبداع. ففي تزاوج الفعل مع الإحساس يغدو فعل إضافة حصى جديدة رمز مستقل عن كمية الأحجار التي جُمعت من قبل. هنا اللامتناهي يتجذّر في جدلية من الإحساس الآني وانتظار الإحساس بالمطلق، كفعلان يبحثان أحدهما عن الآخر باستمرار.

 ولكن في لوحات علي حميشة هذا البحث ينقلب إلى جدلية غير عفوية! فإذا ما تمعنا بقوة العناصر المكونة للوحة وغرابتها بل وحتى وحشيتها أحياناً، نرى عنصراً نفسياً طاغياً يُجذّر هذا الجدل، وهو الرفض أو ال (لا)، تسوقه شحنة انفعالية عالية، تضع حداً نهائياً للطاقة الحسية للعمل، مجبرةً إياها على اللامتناهي، فإما العدم وإما الانطلاق إلى الحرية.

لقد نجح الفنان في تطويع المكونات الحجرية بحدس إبداعي عال، من خلال خلق مساحات تشكيلية متناقضة تخترقها حركات فجائية متزاحمة أحياناً، بطلها الدائم شجرة وامرأة، ولا نعرف ما في قلب الشاعر من هذا التزاوج الدائم بينهما، غير أن كل عمل في تفاصيله المتعددة والمتشابكة يعبر عن هواجس قديمة ومتأصلة لمفهوم الإنسان. فالإنسان عند علي حميشة هو جدلية مستمرة بين التقليد وبين الحرية.يقول بول فاليري (إن الحساسية تخلق صوراً دقيقة وقوية إلى أغرب حد للموضوعات التي نتمناها)، وهذا ينطبق على الفنان علي حميشة الذي هو نفسه وبكل طرافة، أصبح الحصاة الأخيرة التي أكمل بها أعماله، فخصّب الزمان والمكان في لوحات، تعد ربما سابقة سحرية تفوح منها تلقائية متكبرة وعقل منظم وانسيابي.

العدد 1104 - 24/4/2024