الإرهاب الداعشي ومجلس الأمن

انعقد مجلس الأمن مساء يوم الجمعة الواقع في 15 آب 2014 للنظر في قضية الإرهاب في العراق وسورية، وأصدر قراراً بالإجماع تحت الرقم 2170 باعتبار (داعش) و(النصرة) منظمات إرهابية، وحظر دعمها بالسلاح والمال تحت الفصل السابع، ومكافحة الإرهاب في العراق وسورية.

ماذا يعني هذا؟ ولماذا تأخر حتى اليوم الاعتراف بوجود إرهاب في العراق وسورية؟ وكيف سيتم التعاطي مع هذا القرار وتطبيقه؟ وهل ستلتزم به الدول المعنية؟

مجموعة من الأسئلة يطرحها كل مواطن سوري وعراقي ولبناني وعربي.. ماذا حدث في المجتمع الدولي ليأتي هذا الانقلاب المعاكس لممارسات هذه الدول التي كانت منذ اللحظة الأولى الداعم الأول للإرهاب والقتل والدمار والسرقة؟ لماذا يامجلس الأمن بعد أكثر من ثلاث سنوات من العذاب والتهجير والقتل والذبح وقطع الرؤوس واستباحة الأعراض على مسمع ومرأى منكم وبدعم وبتحريض من أكثرية حكامكم، وخلال هذه السنين لم يتحرك الضمير العالمي.. لابل كان من المدافعين عنهم والممولين لهم، وكانوا يسمونهم بالاعتدال وثوار الحرية والديمقراطية في المنطقة؟ وقدموا لهم المال والسلاح ومعسكرات التدريب في الأردن وتركيا، وشحنت لهم صفقات الأسلحة وعقدت المؤتمرات الدولية لدعمهم تحت مسمى أصدقاء سورية، وكانوا في الحقيقة ألد أعداء لسورية ولشعبها؟ وما الذي تغير حتى أتتكم الصحوة الفجائية واعترفتم بوجود مايسمى إرهاب في المنطقة، بعدما كنا قد حذرنا منذ أكثر من سنتين من خطر هذه المجموعات الإسلامية الوهابية المتطرفة، ومن أن هذا التطرف والإرهاب سيلهب لا سورية وشعب سورية فقط، وإنما سينتشر لهيبه ليحرق المنطقة بالكامل، إذا لم يتم محاصرته ومكافحته وعزله عن المنطقة؟

كان يأتينا الرد من العدو والصديق والمتعاطف مع هذه التنظيمات، التي كانوا يعتبرونها المخلّص الوحيد الذي سيقضي على النظام السوري.

لقد عانى الشعب السوري منذ أكثر من ثلاث سنوات العذاب والقهر والتشريد والتهجير والجوع في بعض الأحيان، ولم يهتز المجتمع الدولي.. لقد قُطعت الأعناق وانتُزعت الأكباد والقلوب ومُثّل بالجثث، وسقط عشرات الآلاف من الشهداء من الأطفال والنساء والرجال، وتيتم المئات من الأطفال، وجرى تغطية الجرائم الإنسانية والتعتيم عليها، ولم يُسمح بقرار في مجلس الأمن يدين كل ماحدث من قتل وتدمير.

وللتذكير نقول لأعضاء مجلس الأمن وللمجتمع الدولي إن داعش تحكم في مدينة الرقة السورية منذ مايقارب سنة وثلاثة أشهر، وتقيم هناك دولة الخلافة وتُعرّض أهالي المنطقة الشرقية للقتل والذبح والصلب والسرقة وتدمير البيوت والمنشآت والكنائس والجوامع والأضرحة التي تدل على ثقافة المنطقة وتاريخها، والتي تعود إلى مئات، لابل لآلاف السنين، ولم يتحرك المجتمع الدولي ولا اهتز الضمير العالمي والإنساني.. مع العلم أن هذه التصرفات والممارسات الإرهابية كانت تحت مرأى كل دول العالم ومسمعه، ووضعت أشرطتها على محطات التواصل الإلكترونية المختلفة.

وللتذكير أيضاً، لأن البعض نسي وينسى، أن داعش تسرق النفط والغاز السوري وتبيعهما منذ أكثر من سنة وأربعة شهور، لتجار الحروب الأتراك، عبر الطرق والأراضي والحدود التركية، إضافة إلى سرقة القمح والقطن السوري وآلاف المنشآت الاقتصادية التي نهبت من حلب وغيرها وبيعت للتجار الأتراك وعبر الحدود التركية.

والسؤال: هل ستجري محاسبة الدول والمنظمات التي رعت الإرهاب ونمّته ودعمته في سورية، ودربت العناصر الإرهابية التي أتت من كل أصقاع العالم، والكل يعرف أن السعودية وقطر وتركيا من الدول الطليعية التي دعمت وسلحت ولاتزال حتى يومنا هذا تمارس كل أنواع الدعم والتدريب والتسليح للمجموعات الإرهابية المتعددة.

لقد قلناها مراراً ونقولها: إن الإرهاب ليس له حدود ولا دين ولامذهب ولادولة محصورة به، وعندما كنا نحذر من خطر داعش والنصرة وبقية الفصائل والمنظمات الإرهابية التي تعدت تسمياتها والهدف واحد هو تدمير المنطقة بالكامل وتمرير المشروع الأمريكي الصهيوني الذي أعدته دوائر الاستخبارات الأمريكية والغربية والصهيونية منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، واعتبرت الدوائر الأمريكية آنذاك، أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الازدهار والانتصارات لدوائر الاستخبارات الأمريكية.. ونسبت داعش إلى أنها صنيعة النظام السوري تارة، وإيران تارة وحزب الله تارة أخرى.. إلا أن كل هذه التوقعات لم تؤخذ بالحسبان، حتى بعد أن امتد لهيب نار الإرهاب إلى العراق واحتلال الموصل وتهجير أهاليها من مسلمين سنّة وشيعة، والأعداد الأكثر تهجيراً من مسيحيي الموصل، وجرى تهديم الكنائس والجوامع، ولم يتحرك المجتمع الدولي ولم ير الإرهاب الذي تحرق ناره مناطق العراق الحساسة في الموصل، والاستيلاء على نفط الموصل وبيعه، والإرهاب والعنف الذي تعرضت له الطائفة اليزيدية.. وشهدنا في الأسابيع الأخيرة أيضاً هجمات لداعش على عرسال اللبنانية، ومحاولة للاستيلاء على طرابلس والإعلان أيضاً عن دولة الخلافة في شمال لبنان.

أما الصحوة الأمريكية والغربية وتحرك المجتمع الدولي فقد أتت متأخرة بعد أن تجاوزت داعش الخطوط الحمر المرسومة لها، وبدأت هجمات على الأكراد في أربيل، التي تعتبر بالنسبة لأمريكا خطاً أحمر، لأن أكبر المصالح الأمريكية في العراق هي في أربيل.

وكما يقول المثل (أن يأتي متأخراً أحسن من أن لا يأتي)..

نرحب ونؤيد هذا القرار الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع، لمحاسبة كل من يدعم داعش والنصرة.. لكي تنتقل هذه الصحوة إلى الدول الإقليمية والعثمانية التي رعت الإرهاب ومولته ودعمته ولا تزال تدعمه بكل الطرق، وقد صرحت علناً بضرورة دعم هذه المنظمات للدفاع عن ماكان يسمى الحرية والديمقراطية. فأي حرية وأي مجتمع ديمقراطي سيأتي عن طريق الإرهاب؟ وماحصل ويحصل في الرقة والموصل وعرسال خير دليل.

لذلك في الختام مانطلبه وطالبنا به مراراً من المجتمع الدولي ومجلس الأمن هو وضع حد لموجات الإرهاب المتنوعة ووقف دعمها وتسليحها، التوقف عن تأمين المتطلبات اللوجستية لها من عبور وتنقل وإغلاق معسكرات التدريب، وإغلاق الحدود التركية في وجه الإرهابيين الذين يتنقلون على مرأى السلطات التركية ومسمعها، لأن في القضاء على الإرهاب مصلحة لا لشعوب المنطقة فقط، بل لمصلحة كل الشعوب والدول، لأن الخطر سيمتد إلى السعودية ودول الخليج، ويجتاح خطر الإرهاب الدول الأوربية جمعاء.. وبعد ذلك لاينفع الندم.

العدد 1104 - 24/4/2024