THE QUIET ONES.. الخوف بين العقاب وألم الرؤية

حين بذر الشك نواة الخوف في قلب الإنسان، انتثرت اسئلته لتغوص في جذوة الشر وأسباب وجوده. فنهضت الفلسفة وعلم الأخلاق تفسيراً مراوغاً للحقيقة الملتبسة في صدور المترددين، حقيقة تتقصى سعة العدالة ومساراتها الغامضة. من هنا تواترت الاجتهادات لتفسير الشر بين اللاهوت الذي ينسب الشر إلى الأرواح الشيطانية، والعلم الذي يقرن الشر بالطاقة السلبية الكامنة في اللاوعي. وقد جمع المخرجJOHN POGUE) ) بين الاتجاهين في فيلمهTHE QUIET ONES) ) عبر قصة جين هاربر. وهي شابة آوت في جسدها طاقة سلبية لطائفة تعبد الشيطان، مما يستدعي طقوس التضحية البشرية باستدراج الضحايا عبر التعاطف!

يخوض الفيلم في مجاهل الطاقة السلبية التي تشحنها عبادة الشيطان في نفوس الأتباع، والتي تترافق مع نشوة الخوف. وتدور أحداثه عام 1974 بين جامعة أكسفورد ومنزل ريفي منعزل، حيث يحاول البروفيسور جوزيف Jared Harris إثبات نظريته حول ماهية المرض النفسي، لنفي الظواهر الخارقة المنسوبة إلى الأشباح والموتى أو الأرواح الشيطانية، معتبراً الأرواح الشريرة استدعاء لما هو كامن في صلب التفكير داخل العقل اللاواعي. الأمر الذي جر عليه انتقادات حادة تتعرض لمدى أخلاقية التجربة التي ستطبق على احدى نزيلات المصح العقلي، وتدعى جين هاربرOlivia Cooke) ) وهي فتاة ذات ميول انتحارية، تنقلت بين عدة عائلات وبيوت رعاية بوصفها طفلة مهجورة. وما زاد من خطورتها على المحيطين بها، قدرتها على تحريك الأثاث وإشعال الحرائق. وقد اكتشفها جوزيف وقام بقياس موجات دماغها، وحين وجدها عالية قرر تطبيق التجربة عليها، لإنقاذها من نفسها عن طريق دفعها لاستدعاء السلبية في داخلها على شكل نشاط اتصالي تخاطري، ثم عزلها بإسقاطها على دمية.

ينتقي الطبيب اثنين من طلابه هاري وكريستي لمساعدته، إضافة إلى مصور يدعى براين، ينحصر عمله في توثيق خطوات التجربة. وفي الوقت نفسه يؤكد جوزيف ضرورة التزام الحيادية الكلية في التعامل مع جين، لعزل التأثير الخارجي عن التجربة.. ثم يحضر لها دمية ويطلب منها غرس أفكارها السيئة فيها، ثم يواظب دوائياً على إبقائها مستيقظة لاستدعاء الروح الخبيثة في داخلها والمسماة إيفي، التي يصر الطبيب على وصفها بالطاقة السلبية.

يسرع تعاطف براين مع حالة جين عامل التهديد، بداية حين يضرب الدمية فتصرخ جين بعنف، ثم تعض جوزيف، وبعد ذلك تحاول إحراق كريستي بسبب الغيرة. وحين يطعن جوزيف الدمية ترتسم علامة سيغال على جسد جين. وهي رمز طائفة قديمة مكرسة لعبادة الشياطين تدعى (ليليتو)، أما الروح الساكنة في جسد جين فتعود لإيفي دواير، وهي فتاة ولدت بموهبة تصفية الأصوات، التي استثمرها طبيب يدعى مغاوير لإعادة تجسيد أوثان ليليتو عام 1956. فقد زعم أن إيفي تلقت رسالة من ليليتو للتضحية بأناس عبر حبسهم داخل مبنى وحرقهم بعد دمغهم بعلامة سيغال. لكن إيفي لا تموت، إذ تسكن روحها جسد جين، وتدفعها لقتل جوزيف ومساعديه بوحشية، ثم تحرقهم بعد دمغهم بعلامة سيغال. أما براين فتحاول جين إنقاذه قبل أن تستحوذ عليها إيفي وتقتلها، فيلقى القبض عليه بصفته القاتل ليوضع في مصح عقلي..

بمقدار ما نتعمق في متابعة حالة الخوف في الأدب والسينما، نكتشف أن الجوهر واحد: الشك. لكن تبقى العقوبة أكبر من طاقة المواجهة، لأننا نفشل غالباً في التعاطي مع ألم العقاب/الامتحان الموازي لألم الإبصار.. بالمقابل قد يوقعنا قانون الفعل ورد الفعل في الحيرة والتخبط وجلد الذات العقيم، حين نتقيد بسدود الجدل الذي يعيق الخلاص من عبودية الشك.

العدد 1104 - 24/4/2024