هل تريد أمريكا فعلاً محاربة «داعش»؟

أسئلة مشروعة تطرح نفسها في هذه المرحلة الحرجة والمليئة بالتناقضات والمواقف السياسية المختلفة دولياً وعربياً وإقليمياً، وأول الأسئلة: ماذا تريد أمريكا والدول المتحالفة معها من الحرب في سورية؟ هل فعلاً تريد محاربة (داعش) والقضاء عليها؟ وماهو دور الدول العربية والإقليمية في هذا العرض العسكري؟

لم يعد خافياً على أحد أن أمريكا والدول الغربية، بمشاركة الدول الخليجية من السعودية وقطر والإمارات والدولة العثمانية الحديثة المتمثلة بأردوغان، هم أول من ساهموا بدعم الإرهاب في سورية، فهم الذين سلّحوا المجموعات التكفيرية الإرهابية وجهزوها ودعموها ودربوها، ونظموها من كل أنحاء العالم، وبعثوا بها إلى الأراضي التركية لنقلهم إلى سورية، للمشاركة في قتل الشعب السوري وتخريب حياته وترويعه من جهة، وضرب منشآته الاقتصادية والنفطية، وتدمير البنية التحتية وإضعاف القوات المسلحة السورية، تحت مسميات مختلفة، تارة الكتائب المسلحة للثورة السورية، وتارة الثوار، وتارة أخرى ناشطين ودعاة للحرية والديمقراطية.. وللعمل على إسقاط النظام في سورية.

والمعادلة البسيطة المطروحة اليوم: هل يمكن لأمريكا وحلفائها بعد محاولات مميتة واستخدام كل الوسائل الإرهابية والتدميرية لضرب سورية وصولاً إلى ضرب محور المقاومة، وقد باءت بالفشل، هل يمكن أن تقوم بإنشاء تحالف لضرب الإرهاب والمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية والعراق، التي كانت من صنيعتها؟ ولنفترض أنها غيّرت شيئاً ما في سياستها، فما هو الثمن؟ وماذا تريد أمريكا من وراء إنشاء هذا التحالف والبدء بضربات جوية في سورية والعراق دون التنسيق مع الجيش السوري والعراقي؟ وإذا كانت أمريكا جادة فعلاً في ضرب الإرهاب، فعليها التنسيق مع الجيوش التي عانت من الإرهاب على أراضيها طيلة أربعة أعوام. وما هذه الطلعات الجوية إلا مجرد سيناريو استعراضي لحفظ ماء الوجه لها ولحلفائها، وخاصة العربان الذين يسعون لغسل أيديهم من الإرهاب، باندفاعهم إلى المشاركة في الطلعات الجوية.. وهنا إشارة استفهام كبيرة، لأنه كما تسرّب للإعلام من أن الطلعات الجوية تقتصر على سلاح الجو الأمريكي فقط، وبتسهيل للقواعد الأمريكية الموجودة على أراضي دول الخليج. وهذه المفاجأة لم تكتمل، إلا بعد أن أصبحت طبول الإرهاب تقرع في عقر دارهم، وتهدد وجودهم.

إن أمريكا لاتريد كلياً القضاء على داعش والنصرة، وإنما توجيه ضربة خفيفة لتجاوز داعش الخطوط الحمر المرسومة لها وإعادتها إلى الهدف الأساسي، وستبقى دائماً ورقة ضغط بيد الأمريكان لاستعمالها في التفاوض وقت اللزوم، لأن فعلاً ماتقوم به أمريكا ومايسمى دول التحالف من ضربات لاتؤدي فعلياً إلى ضرب داعش والإرهاب، لأنه لو استعرضنا الطلعات الجوية في الأيام الأولى -حسب تصاريح المصادر الأمريكية العسكرية- من أنه في اليوم الأول قامت بـ 14 طلعة جوية خلال 5 ساعات، وكان من نتيجتها قتل 120 إرهابياً من جنسيات مختلفة، وجرح .300. هذا مع أن الزخم الأولي كان مكثفاً، وأفصح عن هذه النتيجة، إضافة إلى قتل بعض المدنيين الأبرياء وتدمير العديد من المنشآت النفطية والاقتصادية والأبنية المختلفة. وإذا راجعنا التصريحات الأمريكية والغربية من أن عدد الإرهابيين في سورية يتراوح بين 50 و80 ألف مقاتل إرهابي، وإذا كانت نتيجة اليوم الأول  قتل 120 إرهابياً فقط، معنى ذلك أننا إذا تابعنا على هذه الوتيرة سنحتاج على الأقل إلى 10 سنوات لنتمكن من قتل الإرهابيين الموجودين على الأراضي السورية فقط، وبشرط عدم تمرير مقاتلين جدد عبر الأراضي التركية والأردنية. هذا إضافة إلى تكاليف هذه الحرب الاستعراضية، لأنه عل سبيل الكلفة، حسب المصادر العسكرية الأمريكية، أن كلفة الساعة الواحدة للطلعات الجوية تقدر بقيمة 312 ألف دولار.. ففي اليوم الأول استمرت الطلعات الجوية مدة خمس ساعات، وتساقط 47 صاروخاً، قيمة الصاروخ الواحد مليون و590 ألف دولار، وإذا حسبنا كلفة اليوم الأول بالكامل، سنصل إلى مبالغ هائلة وخيالية.

وكما صرح أوباما بأن الحرب ستدوم على الأقل فترة 3 سنوات، وحتماً سيتم تمويل نفقات الحرب (على الإرهاب) من السعودية وقطر والإمارات والبحرين. مثل ماموّلت الحرب على العراق.. ونشير إلى ماقاله الرئيس الأمريكي أوباما في خطابه في الأمم المتحدة، بأن أمريكا اضطرت إلى الحرب على الإرهاب في سورية، لعدم قدرة بشار الأسد والنظام السوري خلال أربع سنوات وعجزه عن القضاء على الإرهاب؟ ونسأل أوباما: هل سمحتم للحكومة السورية من القضاء على الإرهاب أو المس به؟ بل كنتم، على مدى أربعة أعوام من المشجعين والممولين والمنظمين أمنياً وعسكرياً وسياسياً ولوجستياً لدعم الإرهاب في سورية وتدمير الاقتصاد السوري والينية التحتية وسرقة كل المنابع الاقتصادية والنفطية لسورية. وبالتأكيد ماتقومون به اليوم من استعراض عسكري، لو قطعتم طرق الإمداد للمسلحين، وأوقفتم الدعم اللوجستي لهم بإغلاق الحدود التركية والأردنية، فنحن على ثقة أن القوات المسلحة السورية قادرة على إلحاق الضربات الموجعة بالإرهابيين والقضاء عليهم كلياً، ولكن هذا يتطلب إرادة وتصميماً دولياً فعلياً للقضاء على الإرهاب وتجفيف منابع الدعم بكل أنواعها. والالتزام بالقرارات الدولية بكيفية القضاء على كل أنواع الإرهاب، وإغلاق مراكز التدريب للإرهابيين، وعدم اللعب والاختلاف بالتسميات والهدف واحد، وإغلاق الحدود وتجفيف كل منابع دعم الإرهاب، والتنسيق مع الحكومة السورية والعراقية للوصول إلى نتيجة حقيقية تعطي نتائج فعلية على الأرض والميدان.

العدد 1105 - 01/5/2024