فارس هلال.. رحيل حارّ!

 طويلاً سنفتقدكَ..

كثيراً سنشتاقكَ..

لو علمنا أنَّ الأحزان ستتعهد عمرنا بعنايتها المستدامة، التي لا فكاك منها ولا مناص، لانتحر أكثرنا على أعتاب اللحظة الراهنة..

لو نُمي إلينا، أنَّ الأفراح سوف تنتظم حياتنا كخيط السبحة، لاستعطف معظمنا الغيب، أن يهبنا من لدنه نتفة كارثة أو قطعة مصيبة، لنجرب فيها طعم الأرق..

لقد درجت الأقدار على أن تتناوبنا، مزركشة قميص عيشنا ومستبيحة مشاعرنا، بمختلف ألوانها: بدءاً من أقصى الملمَّات، إلى أقصى المسرات. وهكذا بانتظام حيناّ، وبعشوائية أغلب الأحيان.

وإذا كانت الولادة والنجاحات والحب، هي أول دوافع البهجة و السعادة، في سيرورة الإنسان، فما من شك في أن الموت على أشكاله، يقف على رأس دواعي الشقوة والكآبة، في تلك السيرورة.

***

على عكس المقدمة أعلاه، التي جاءت طويلة ومرحرحة. كانت مقدمة رحيلكَ قصيرة وموجزة..

على عكس ما استطاعته كلماتها من التزام حيادية، وبرودة أعصاب وتعقّل، كان رحيلك منحازاً وحاراً ومجنوناً!

***

أبا حمد..

الغالي الآن وقبلاً وبعداً..

لئن أظلم يوم الجمعة 4/9/2015 م، دون صباحاتك وأماسيك، ولياليك المشرقات – التي كثيراً ما سهرتها كاملة، وكأنك كنت تحدس اقتراب قفلة عمرك – واحتوى جثمانك مستطيل متواضع من تربة (خُلْخُلَة) قريتك التي تعشق.. خلخلة جبل معروف السوريين والعرب، فقد تضيق رواية عن احتواء سيرتك: إنساناً وفناناً، منافحاً بالفكر والكلمة واللحن والأغنية، في سبيل حفظ لقمة أبناء جلدتك وكرامتهم، المستضعفين المهمشين في عقر وطنهم ووطنيتهم.

***

أبا حمد فارس..

يا راحِلاً لستَ براحل..

فإن رحلت جسداً، فطيفك، وطيبك وشجاعتك، وكثير مما فيك من مدرَّج الصفات الحميدة، مبرعمٌ ومورق في أعطاف نجليك (حمد) و(نسرين)، وألطاف حفيديك (سارة) و(سلمان)..

وطيور أغانيك، وإن أضحت ألحانها أكثف حزناً، فلا تزال مغردة، في حقول ربوعك، وحناجر (رَبْعِكَ)، من رفاقٍ وأصدقاءٍ وزملاء ومحبين..

وتقاسيم عودك وصولات كمانك، وإن اتّشحت برقيق الشجن مقاماتها، وصار إلى عميق القرار قرارها، فما انفكت موسيقاها تُغوي آذان سامعيك، وتملأ عليهم طقوس هناءاتهم وأجواء سعدهم.

***

أبا حمد فارس نجيب..

سنفتقد طلّتك الباشّة طويلاً..

سنفتقد طريقتك برواية النهفات طويلاً..

سنفتقد ضحكتك المجلجلة، وشدّك على (الواو) ومدَّها طويلاً، في تساؤلك المندهش بكلمة (شوووو) عند التقائك الزوَّار أو المزورين.. (شوووو). المشهورة عنك، شهرة (يا ساتر) عن المبدع عبد اللطيف فتحي، قُبَيْل ارتقائه خشبة المسرح!

***

أبا حمد فارس نجيب هلال..

عم صباحاً يا فارساً.. أكادُ أقول: تعجلت السفر، وأصمتُ، فالفرسان قليلاً ما يقيمون.

نم هنيئاً يا فارساً.. أُوشكُ أن أقول: تجاوزتَ الوداع، وأُمسكُ، فالفرسان نادراً ما يودِّعون.

هل أقولُ: إلى لقاء؟..

أجل، فالفوارس على سجيتهم، أبداً لا يخلفون؟!

العدد 1104 - 24/4/2024