الشعبُ هو السلاح الأقوى في الدولة…

في حالة الحرب أيضاً للشعب حقٌّ على الدولة، كما أنَّ الدولة تحتاج إلى أن تكرّس أغلب ميزانيتها واهتمامها في حالة الحرب لشراء السلاح وتأمينه ، ولتغطية نفقات الحرب، فالشعب أيضاً هو السلاح الأقوى الذي يجعل الدولة تنتصر في حربها، وهو الذي يمد الدولة بقوة العمل والإنتاج، الذي يصنع ميزانيتها العامة، وإن ضعف الشعب تضعف الدولة، ويهتز صمودها في الحرب، وحتى لا يضعف هذا الشعب، يكون من واجبات الدولة أن توازن بين متطلبات الحرب ومتطلبات هذا الشعب الذي يقدم للحرب عناصرها الأساسية من القوى البشرية والاقتصادية.

 ومن أولى متطلبات الشعب في حالة الحرب ضمان الدولة لاستمرار القوة الشرائية للعملة المحلية وللرواتب التي يتقاضاها المواطنون، بضمانات طارئة تخطط لها الحكومة بالشكل المناسب، والمحافظة على السلامة والأمن والأمان لجميع المواطنين، وتأمين المستلزمات المادية من مواد غذائية وطبية، وتأمين مجموعة الخدمات العامة التي يدفع الشعب ضريبتها وثمنها أصلاً من قوة عمله.

 ويحتاج الشعب أيضاً إلى قوة الدولة للضرب بيدٍ من حديد على من يستغل حالة الحرب من ضعاف النفوس ومن تجار الحرب وهم كثر، وغالباً ما يكونون من العناصر المقربة من هيئات الدولة، ومن سماسرة أصحاب النفوذ فيها، وأصحاب النفوذ هؤلاء هم الذين يسيئون للدولة ويعملون على إضعافها، ويكونون الطرف الخفي الذي يعمل على مساعدة العدو الذي تحاربه الدولة، فتضعف وتفشل ويهتز كيانها، وقد تخسر الحرب، وعلى الدولة أن تملك قوة الإرغام لضمان الالتزام بقوانينها، وأن تكون قوانينها قوية في مواجهة تجار الحرب،وفي مواجهة عصابات المتاجرة بحاجات الناس، ويحتاج الشعبُ أيضاً إلى أن تكون الدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع، وأن تعلو قوتها فوق قوة أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة، تلك الجماعات التي تنتشر كالسرطان في حالات الحرب وفي كل حالات الأزمات الطارئة التي قد تمر بها الدولة، فيعملون على نهش الشعب والدولة معاً، كالذئاب الضارية.

ويحتاج الشعبُ أيضاً إلى أن تكون الدولة هي الضمان ضد الاضطراب والفوضى، وأن تكفل تحقيق الاستقرار الاجتماعي في كل الحالات. في الحرب أيضاً، يبقى ترتيب الشعب كأهم عنصر من عناصر الدولة، بالإضافة إلى العناصر الأخرى كالأرض وما ضمنها وما عليها من خيرات وثروات، وسيادة الحكومة والقوانين والمؤسسات، ومجموعة البنى الفوقية والبنى التحتية.

 وتبقى مهمة الدولة هي ممارسة وظائفها وإدارتها الصحيحة للأزمات التي تنشأ عن حلة الحرب، لتحقيق وجودها وأهدافها. والدولة في أحد تعريفاتها اللغوية هي المداولة والتغيير من حال إلى حال، وفي كل الحالات سيكون للدولة حكومة تلتزم بمسؤولياتها تجاه المواطنين، وتعمل على الحفاظ على المؤسسات والقوانين والنظام والدستور، دون تمييز ودون ترك فرصة أو مجال للثغرات التي سيستغلها ضعاف النفوس وتجار الحروب للإساءة للمواطنين.

وبما أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة، وهي مسؤولة عن صياغة القرارات العامة وتنفيذها في المجتمع، فيجب أن تكون قراراتها ملزمة للجميع، إذ يفترض أن تعبر هذه القرارات عن المصالح الأكثر أهمية للمجتمع، دون القفز فوقها حسب المصالح الخاصة التي تضر بالشعب والدولة في الوقت نفسه، من المقربين من رجال الحكومة نفسهم.

يتقبل الشعب دستور الدولة وقوانينها مقابل تلبيتها حاجات الناس الأمنية والاقتصادية، وتنسيق علاقاتهم فيما بينهم بشكل صحيح وعادل دون تفرقة في أي مجال.

وعلى الدولة أن تكون دائماً هي الحكم المحايد والقوي بين المصالح والمنافع المشتركة وأمور الحياة العامة والخاصة في المجتمع، وهو ما يجعل وجودها ضمانة أساسية للنظام الاجتماعي في كل الظروف وبضمنها حالة الحرب.

العدد 1107 - 22/5/2024