الاستثمار الأجنبي للمرافئ… إلى متى؟!

تحت شعارات التشاركية والتطوير، وإشراك القطاع الخاص في عملية (التنمية) عمل مهندسو الاقتصاد السوري منذ عام 2005 على تفكيك ملكية الدولة وإدارتها لقطاعها العام الصناعي والخدمي، ومرافقها الاستراتيجية، وتبين أن شعار التشاركية حسب ما تتضمنه رؤيتهم النيوليبرالية لمستقبل اقتصادنا الوطني تعني تسليم القطاع الخاص والرساميل الأجنبية المفاتيح الأساسية للاقتصاد السوري، وإبعاد الدولة عن التدخل في الحياة الاقتصادية.

وهكذا راحت الاقتراحات تتلو الاقتراحات، ثم بدأت عجلة التنفيذ بالدوران، فمن مصانع الأسمنت إلى مرفأي اللاذقية وطرطوس، إلى قطاع الكهرباء، إلى أن تجرأ بعض هؤلاء على اقتراح تسليم المطارات، ومرفق المياه إلى هذه الشركات، دون الأخذ بالحسبان المصالح الأساسية للمواطنين والمقتضيات الأمنية والاستراتيجية للبلاد.

القصة بدأت لكنها لم تنته مع محطة الحاويات في مرفأ طرطوس.

 

مضمون العقد

منح استثمار 252000 م2 من أفضل المواقع في مرفأ طرطوس، ومستودعاً وآليات متعددة للشركة الفلبينية 111 لاستخدامه كمحطة للحاويات لقاء مبلغ 395,39 مليون دولار.

باشرت الشركة العمل بتاريخ 28/10/2011 بعد تقديم الدولة تسهيلات لهذه الشركة كانت تكفي إدارة المرفأ للاستغناء عن أي مستثمر وطني أو أجنبي.

إذ قدمت لها إدارة المرفأ رافعتي كانتري، وسبع حاضنات حاويات، وسبعة قاطرات برية، وثلاث ناقلات حاويات، وثلاث ناقلات شوكية.

السؤال هنا: أي تطوير هذا الذي ننشده بالتنازل عن هذا المرفق الحيوي، والتخلي عن حقوق عمالنا من أجل مصلحة مجموعة قليلة من الرأسماليين؟ نساعدهم على الاستثمار بواردات المرفأ، وبالتالي نشرع لهم تهريب الأموال العامة. ولو أن عُشْر هذه الإمكانات الممنوحة لهذه الشركة وضعت تحت تصرف إدارة المرفأ لحققنا مردوداً للدخل القومي يعادل أضعاف أضعاف ما تقدمه هذه الشركة.

 

ارتفاع الأسعار وتعطيل للإنتاج

سمح لهذه الشركة وفق العقد بتسعير وتعرفة مقدارها 750 دولاراً على حاوية 40 قدماً، بفارق كبير عن تعرفة المرفأ الذي كان يتقاضى 15 ألف ليرة مع جميع الرسوم على الحاوية نفسها، مما أدى إلى عزوف البواخر عن الرسو على الرصيف رقم 7 المستثمر، وبقيت المستودعات المعطاة للشركة فارغة ولم تستفد منها الشركة العامة لمرفأ طرطوس التي امتلأت مستودعاتها الباقية، ولم يبق هناك أيضاً مكان لاستقبال الحاويات على ظهر السفن المنتظرة في عرض البحر، وهذه السفن محملة بالبضائع والمواد الاستهلاكية القادمة إلى سورية أو المارة بها عن طريق الترانزيت. علماً أن التأخير في تفريغ الحاويات من السفن يرتب على الشركة خسائر مالية كبيرة، أو على التاجر المتعامل مع شركة النقل البحري، إذ إنه سيضطر لدفع مبلغ 3000 دولار غرامة عن كل يوم تأخير للباخرة الواحدة، أي ما مجموعه 144 ألف دولار يومياً غرامات تأخير. وهذه المبالغ بالتأكيد سيسحبها التجار على قيمة بضائعهم التي سيدفع ثمنها مواطننا السوري أولاً وأخيراً.

منذ نهاية عام 2010 بدأت الشركة العامة لمرفأ طرطوس ولجانها بتقييم أداء الشركة الفلبينية المستثمرة في مرفأ طرطوس، وبعملية التقييم صدرت دراسات متعددة لواقع عمل الشركة لم ترفع بكاملها إلى الوزارة، أو أغفلت جوانب مهمة من الدراسة تكشف مستوى مخالفة العقد والتقصير، وتكشف حجم التسهيلات المقدمة للشركة الفلبينية. إذ جاء في الدراسة المرفقة بكتب أرسلتها الشركة العامة لمرفأ طرطوس إلى وزارة النقل مايلي:

بدأ عمل المحطة متواضعاً بالإنتاجية المحققة، واستمر حتى تاريخ الكتاب، ولم تتحقق الأرقام المخطط لها وفق العقد. وكان التقصير واضحاً بأداء عمل المحطة.

 

معدلات الحركة الإنتاجية

في السنة الأولى 61%، وفي السنة الثانية 38%، وفي السنة الثالثة 29% من حجم الحركة المتوقعة للحاويات.

أما في عام 2011 فانخفضت إلى 20% بعدد حاويات 919,،53 مقابل مخطط 266 ألفاً، وذلك وفق الدراسة التي قدمتها الشركة.

خالفت الشركة المادة التي تمنع المستثمر من الاتفاق مع متعهدين فرعيين، أو أي جهة ثالثة، دون موافقة خطية مسبقة من الشركة العامة لمرفأ طرطوس. وقد تعاقدت الشركة مع متعهد خاص لتأمين عمال تفريغ بضائع الحاويات دون تسجيل العمال لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية ضد الإصابات، ويدخلون المرفأ بشكل إفرادي دون واسطة نقل. وكان رد الشركة في المراسلات التي تشير إلى هذا الموضوع غير مقنعة وغير مبررة. وفي الخطة المعدلة أوردت الشركة بأنها ستقوم بتقديم RTG عدد 6. بينما في الخطة الأساسية ،8 وهذا مخالف للمادة التي تنص على أنه لا يسمح للمستثمر شطب أي بند في خطة التطوير المقترحة. وخففت أيضاً من رقم الاستثمار المخصص للبنية التحتية، فمن 4,3 ملايين دولار في الخطة الأصلية إلى 2,2 مليون دولار في الخطة المعدلة، وهذا يدل على وجود مخالفات بالجملة ارتكبتها محطة الحاويات.

ويذكر كتاب الشركة العامة لمرفأ طرطوس المرسل إلى وزارة النقل التسهيلات التي قدمت إلى الشركة لتسهيل عملها وإنجاحه، إذ عملت إدارة المرفأ جاهدة لتقديم ما يلزم لإنجاح الاستثمار، فسمح بداية لإدارة المحطة بتعديل خطة التطوير، واستقدام الآليات المتوجبة على المحطة من ثلاث سنوات. وافترض العقد أن تورد المحطة روافع غانتري حتى السنة السادسة والتاسعة من الاستثمار، وسمحت أيضاً بتطبيق التعرفة بحدها الأعلى بناءً على طلب الشركة مع تحفظ إدارة المرفأ أن ذلك سيؤثر على جلب الزبن للمحطة.

وعلى الرغم من الدعم والتسهيلات التي قدمتها إدارة المرفأ لم تنفذ الخطط الأساسية، ورفضت إدارة المحطة دفع الرسوم المترتبة منذ الربع الثاني ،2011 وأرسلت مذكرة برفض دفع البدلات المترتبة في الربع الثاني والثالث بحجة التغيير غير المتوقع للظروف.

 

كلمة أخيرة

الشراكة.. والتشاركية.. وتحفيز الاستثمار ينبغي أن تصب في المصلحة العليا للبلاد، وتلبي المصالح الأساسية للاقتصاد الوطني ولجماهير الشعب السوري، لذلك نطالب الحكومة بإعادة النظر لا بالعقد الموقع مع الشركة الفلبينية فقط، بل بجميع العقود التي أبرمت مع الشركات التي (تسللت) إلى قطاعنا العام ومرافقنا الحيوية والاستراتيجية، خاصة في الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا.

العدد 1102 - 03/4/2024