الفنان محمود الساجر في نصه البصري الجديد

وحدة متماسكة في التشكيل والأسلوب، شخصية فنية مميزة واضحة، تضع المشاهد أمام حسّ صادق وأزمة إنسانية تنبع من ثنايا الموجودات لتشير إلينا بصمت يكاد أن يصرخ في العين والقلب. لا تستطيع أن تذهب بعيداً عن الأعمال حين تغادرها، فهي تسكن فيك وترفض أن تغادرك أمام واقع تهرب إليه وهي فيه. تجربة لا يمكن الفصل فيها إطلاقاً بين الفنان والعمل الفني المقدم من خلال محمود الساجر، ولا يمكننا أن نتصور تلك المشاهد بعيدة عن الفنان حالة متكاملة بين الفنان محمود الساجر (لوحته وحياته).

هذا ما كتبه الفنان سعد يكن إهداءً لمعرض الفنان محمود الساجر على بطاقة الدعوة للمعرض (المزدوج) الذي بدأ في 19 نيسان الماضي، ومزدوج لأنه في الحقيقة معرضان تقاسمت أعماله صالتا (الأسد للفنون الجميلة) التابعة لاتحاد الفنانين التشكيليين- فرع حلب، و(الخانجي للفنون) لصاحبها الفنان الصديق محسن الخانجي.

المعرض في الحقيقة خبأ لنا (مفاجآت جمالية نعرفها) في فلسفة محمود الساجر الفنية، فجمع كعادته مفاهيمه الجمالية في اللوحة الشاملة، التي تخرج عن مألوف بعديها، وقدّمها في أبعاد أربعة.. خرج في اللوحات المعلقة عن مربعها، وتمرد على القواعد التشكيلية، ووصل المكان بضيقه الثلاثيّ الأبعاد إلى البعد الرابع في مخيلتنا الجمالية وذاكرتنا وإحساسنا المعقد بالأزمة، فعبّر عنه مستخدماً التوالف من كرتون وحطب وأي موجودات أتيحت له لينسج منها قيماً تخصّه، لكنها تخصّنا أيضاً.

استخدم الفنان، بل تفنن في استخدام اللون والقماش والمعاجين المختلفة، وأخرج لنا متاهات وعوالم زجّ فيها عالمه وعالم الأزمة الكونية والاجتماعية والثقافية، تقف أمام كل عمل، فيشدّك إليه، تندهش من زحمة الدلالات ومن زحمة العناصر ومن ذكاء المواد المشاركة.. وكلما تأملت في علاقة عناصر العمل الفني ببعضها وبما تحيلك إليه،(ازددت استمتاعاً)!

المعرض ملآن بالرموز، ناجي العلي يترصدك في أكثر من زاوية، فواز الساجر يرمقك بنظرة (ضيقه) من الغياب القدري، محمود درويش يذكّرك بنبوءته، الرؤوس المغطاة بكيس القمع الأسود تواجهك بحقيقة الإرهاب الفكري، الشوارب الكبيرة في وجوه ضخمة معلق في أحدها حذاء صغير تصدمك بالذكورية الطافحة من العالم المأزوم بالاستلاب والاغتراب، بالقمع والجهل.

كثير ما فاجأنا به المعرض بصالتيه، لكن التوقيت بحد ذاته شكل تحدياً يشبه صمود أهالي حلب، والمواد التالفة العادية بأصلها المادي، الغنية بما حمّلها من دلالات تشبه تكيف أهالي حلب مع واقعهم، هذا الفنان من هذه المدينة، محمود الساجر من حلب الساحرة.

العدد 1105 - 01/5/2024