الحكومة لا تدعم الإنتاج

لم نسمع من المسؤولين الحكوميين سوى الرغبة العارمة في دعم الإنتاج، وبالمسطرة ذاتها نقيس حول الرغبة في تحقيق التنمية، إلا أن الدعم والرغبة لم ينفذا، وحافظت البلاد على واقعها المتردي اقتصادياً. هل فشلت التنمية؟ هذا ليس سؤالاً جوهرياً، مقابل سؤال: من أفشل كل الجهود لتحقيقها ودعم الانتاج؟ ساهم مسؤولون كثر، في إيصال الوضع الاقتصادي إلى واقعه الراهن، وأدت الرؤية الضبابية إلى التخبط التنموي الهائل، إلا أن مسؤولين كباراً في المجال الاقتصادي، يتحملون مسؤولية تبديد الجهود المطلوبة في هذا المجال. ومع طيّ صفحة عقد ونصف العقد الماضية، هل تعمل حكومتنا الأن لردم الفجوة التنموية؟

لا يوجد ما يبشّر، أو يعكس الجهود المطلوبة، فكل ما نراه يقتصر على التصريحات الإعلامية، بغياب الإجراءات التي يمكن أن تُحدث نقطة تحول حقيقية، في المسار التنموي، وتضع النقاط على الحروف لاقتصاد الحرب. والواضح أنه لا توجد رؤية موحدة ويمكن الاقتناع بها، فالقروض التشغيلية التي لا يُشكّ بدورها التنموي، لاسيما في هذا الوقت الصعب، لم تر النور، ولن نكون متشائمين ونقول إنها لن ترى النور، فقليل من التفاؤل قد ينفع، لكن لايُبنى عليه. شهور طويلة والتجاذبات بين الفعاليات الاقتصادية ولاسيما الصناعية منها والمعنيين في الحكومة تتركز على ضرورة منح القروض التشغيلية، كلا الجهتين مقتنعتان بضرورة هذه القروض، ومدى حاجة الاقتصاد الوطني إليها، ليبرز التساؤل: لماذا لا تقدم المصارف هذه القروض؟ ولماذا لا تقود الحكومة على مستوى الوزراء، اتجاهاً يقضي بالضغط على إدارات المصارف لمنح هذه القروض؟ بلا شك، تغيب الإرادة الرسمية للمضي قدماً في هذا التوجه الاقتصادي، وكل ما سمعناه رسمياً في هذا الشأن لم يترجم على أرض الواقع، ولم يخرج مسؤول أو مصرفي أو مقترض ليبدد شكوكنا ويؤكد أنه تم تسليم أول قرض تشغيلي في البلاد. هذا يعني أن كل ما قيل مما يتعلق بالقروض التشغيلية هو محض كلام، ومجرد مواقف أُطلقت من أجل الاستهلاك الإعلامي. بالمسطرة ذاتها يمكن القياس، على موقف حكومي سابق يتعلق بشروط نقل المنشآت الصناعية، إذ كانت شروطاً قاسية، وتشدداً حكومياً مبالغاً فيه، في وقت كانت الآلات تُفكّك، والمنشآت تُنهب، والمعامل تُسرق. ووقف الجميع ينتظر تفاصيل مملة وقاتلة وبلا جدوى، لتحديد شروط النقل، ومن يحق له النقل، وكيف تُنقل هذه الآلات؟ طبعاً، لا نريد القفز فوق القوانين، ولابد من وضع معايير لكل عمل، ويجب الخضوع للأنظمة، وبالمقابل، لابد من التحرك السريع، وتقديم الدعم وليس وضع العصي في العجلات، بل السعي لتقديم التسهيلات لا وضع العراقيل. هذه مواقف لاينساها العاملون في الحقل الاقتصادي، وعليه ينطبق الموقف غير الواضح لجهة تمويل المستوردات. إذ تتفق الآراء بالعموم على أحقية الصناعيين في الحصول على تمويل لمستورداتهم من المواد الأولية، وتقر الجهات المعنية بذلك، لكن مجريات هذه العملية غير واضحة، ولا تسير كما هو مبتغى. كم صناعي يريد استيراد مواد أولية؟ هذا سؤال يختزل القضية، إضافة إلى نوعية المواد وكمياتها. فالأوضاع الاقتصادية الراهنة، لا تسمح باستيراد ما نريد، ولانحتاج إلى المزيد من الوقت لتحديد الأوليات، لأنها واضحة جداً، وكل تأخير في هذا الشأن لابد أنه يخفي وراءه شيئاً ما.

 ينطلق دعم الإنتاج من تحديد المنتجين الحقيقيين، ومتطلباتهم، والبيئة المحفزة والمشجعة التي يحتاجونها. إلا أن الحكومة تحاول اختراع الدولاب من جديد، وتسعى بكل قوتها لتأجيل هذه القضايا الشائكة والمهمة إلى المستقبل، بلا أسباب واضحة، وفي غياب المنطق الاقتصادي الذي يجب الرضوخ لشروطه في هذه الأزمة. فاتحاد غرف الصناعة، لم يمل خلال السنوات الماضية، لاسيما منذ بدء الحرب الاقتصادية على البلاد، من تقديم المطالب التي تسهم في حماية المنشآت والمنتج الوطني، ووضع رؤية واضحة لإنقاذ الصناعة الوطنية بشقها الخاص من الاندثار. وكان للاتحاد مواقف مهمة في مجال رأب الصدع القائم بين الصناعيين والحكومة، فضلاً عن إصراره من خلال الشريحة التي يمثلها على الاستمرار بالعمل والإنتاج. ونذكر جميعاً، أن أصعب الظروف الاقتصادية التي عاشتها البلاد خلال الأزمة الراهنة، بدأت عند توقف المنشآت الصناعية عن العمل في حلب وريف دمشق، ما أدى إلى ازدياد الضغوط على الميزان التجاري والاقتراب أكثر من القطع الأجنبي، ودخول الاقتصاد الوطني الذي توقف عن الإنتاج في نفق طويل ومظلم. إصرار اتحاد غرف الصناعة وغيره من الاتحادات المنتجة على العمل، ووضع مطالبها التي تؤدي إلى انطلاقة حقيقية للإنتاج، وسماع هدير الآلات من جديد، ظل مجرد مطالبات على الورق، للأسف الشديد، بل لانفشي سراً، باعتبار أن بعض هذه المطالبات أدت إلى ما يمكن تسميته توتر العلاقة مع الحكومة.

لانرى أن الحكومة ماضية في دعم الإنتاج، لأنها تسلك طرقاً مغايرة لذلك، وتمشي عبر خططها وبرامجها، في طريق مغاير يخفف العبء عنها، ويرمي الأحمال الثقيلة التي تقيدها، إذ إن في مماطلتها وتسويفها، لاتخاذ قرارات جريئة تحدد فيها القطاعات المنتجة التي يجب المحافظة عليها، وطرائق دعمها، وسبل تقديم مستلزماتها، خير دليل على أنها حكومة غير مقتنعة بإمكانية إحياء الإنتاج المحلي من جديد.

العدد 1140 - 22/01/2025