ربع سكان العالم مُسِنّون عام 2050…بطاقة تقدير وعرفان لهم في يومهم العالمي

عام 1978 عرّفت منظمة الصحة العالمية الشيخوخة بأنها (عملية بيولوجية تخضع لها جميع الكائنات الحية وتبدأ في سنٍّ مبكرة من العمر وتستمر مدى الحياة، وتترافق بتغييرات حيوية في أنسجة وأعضاء الجسم).

وتُشير الأرقام إلى أن ربع سكان العالم عام 2050 سيكونون من المُسِنين. لذا، خصصت الأمم المتحدة الأول من تشرين الأول من كل عام يوماً عالمياً لهم تذكيراً وتكريماً لشريحة من المجتمع وهبت عمرها لخدمة الآخرين بشكل أو بآخر، إن كان على المستوى الشخصي أو العام (أسرة، مجتمع، دولة)، وأيضاً لأن الشخص المسّن يصبح غير قادر على ممارسة حياته العملية إلاّ بمساعدة الآخرين، وهذا ما يستلزم تقديم العون له على المستويين الحكومي والأهلي- الأسري.

ويُعتبر الضمان الاجتماعي أحد أهم أركان حماية المُسِنين، بمنحهم معاشات تقاعدية يُفترض أن تكون كافية لتأمين احتياجاتهم الأساسية من دواء وغذاء خاص تتطلبه هذه المرحلة العمرية. إضافة إلى تخصيص جناح لهم في كلٍّ من المشافي العامة يكون جاهزاً لكل طارئ يتعرّضون له. وفي إطار توسيع آلية الدعم الذي تقدمه الدولة للمُسِنين وافق مجلس الوزراء في عام 2004 على تخفيض قيمة بطاقات الركوب في حافلات النقل الداخلي العامة والقطارات بنسبة (50%) للمسنين الذين تجاوزوا 60 سنة. أمّا عام 2012 فقد تمّ أُعدّت الخطة الوطنية لرعاية المسنين، وكانت أبرز نقاطها: توفير الخدمات الصحية والعلاجية والوقائية مجاناً للمسنين، والعمل على تأسيس فريق وطني متخصص في طب الشيخوخة، وتعزيز التعاون والتنسيق بين وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة، إضافة إلى البنود الهامة الأخرى كإنشاء نوادي خاصة بهم تواكب احتياجاتهم الروحية والنفسية بحيث يقضون في فضاءاتها أوقاتاً ممتعة تبعدهم عن الملل والشعور بالإهمال ودنوّ الأجل، إذ إن التوقف عن العمل، أو الإحالة إلى التقاعد يُشعر المُسِن  بتخلخل مكانته وقيمته تجاه نفسه والآخرين، مما يُقلل بالنتيجة من قيمة العلاقة بينه وبينهم، وهذا ما يُدخل في نفسه الحزن والعزلة. كما يمكن للقطاع الأهلي أن يشارك الحكومي في إيجاد دُور للعجزة والمسنين تضم كوادر مؤهلة للتعامل مع أولئك المُسِنين تعاملاً إنسانياً ينمُّ عن تعاطف ومودة واحترام، دور مجهّزة على مستوى جيد من حيث الخدمات بكل مستلزماتها (مادية ومعنوية) للمُسِنين الذين لا أهل أو أولاد لهم يقومون بواجباتهم، أو أولئك الذين تخلى عنهم أقرب الناس وهم في أمسّ الحاجة إلى عناية خاصة.

غير أن الاهتمام الأسري يبقى الأهم بالنسبة للمُسِن نفسه، لما يُمثله من تقدير قيمته وأهميته في حياة الأسرة، وإشعاره دائماً بالحاجة إليه من ناحية خبرته في الحياة العامة والخاصة، كالإشراف على تربية الأحفاد بدل أن يوضعوا عند الآخرين أثناء عمل الأبوين خارج البيت، لأن اكتساب المعارف والمعلومات والخبرات، هو أَمر يحافظ عليه الشخص المُسِن طويلاً.

غير أن السمة شبه العامة قبل الحرب كانت توحي بعكس ذلك، فكيف بنا اليوم بعد سنوات حرب تركت تبعاتٍ وندوباً طالت الجميع، لاسيما أولئك المُسِنون الذين كانوا في الماضي وباتوا عبئاً ثقيلاً من كل النواحي لعدة اعتبارات منها:

– ضيق ذات اليد لدى الأبناء بسبب الوضع الاقتصادي العام، وضعف قيمة الراتب التقاعدي للمسّن( إن وجد) فهو لا يفي بسدّ احتياجاته الأساسية من دواء وغذاء وما شابه.

– عمل الزوجين، في أسر كثيرة، خارج البيت في الوقت الحالي قلّص فرصة مساعدة الأبوين أو استقبال ورعايتهما في مرحلة الشيخوخة.

– ضيق الأبنية الحديثة التي تكاد لا تكفي الأسرة، فكيف بوافد جديد؟

– رفض أحد الزوجين خدمة أهل الزوج/ الزوجة للأسباب السابقة حيناً، ولتلاشي النخوة الإنسانية التي سادت في الماضي من احترام للمسن.

– سفر الأبناء للخارج بحكم العمل أو الدراسة أو… ما استدعى بقاء الأبوين وحيدين دون معيل يهتم بشؤونهما.

كل هذه الأمور مجتمعة تفرض على المُسِن اللجوء إلى دور المُسِنين لإيجاد البديل من حيث الرعاية الشاملة، وأيضاً بدافع الاستفادة من التفاعل الاجتماعي الموجود بين النزلاء بكل اتجاهاته الروحية والنفسية. وقد احتضنت دور المُسنين على مدى وجودها قامات كبيرة فنية وعلمية رفيعة. لكن ما يؤخذ على أكثرها- وبضمنها الحكومية- أنها تفرض على النزلاء مبالغ كبيرة لا يمكن لغالبية من يحتاجونها امتلاكها أو تأمينها، وهذا ما يُبقي ملف المُسِنين في مجتمعاتنا شائكاً وعالقاً ما بين الواقع والحاجة والإمكانات.

فهل أخذ هذا المُسِن في مجتمعنا حقه الطبيعي بعد رحلة عطاء وعمل طويلة أخذت منه عمراً بأكمله؟

العدد 1104 - 24/4/2024