ثلاثة استجوابات في مجلس الشعب لأربعة وزراء… والحصيلة سلبية

بلا شك، ننظر إلى استجواب الوزراء، في مجلس الشعب، بعين الرضا، ونفرح لاستخدام السلطة التشريعية حقها في الضغط على السلطة التنفيذية، وأن تكون سلطة رقابية بحق، وتمارس كل صلاحياتها، لما فيه مصلحة الناس. ومن الذكريات الطيبة أن يختتم مجلس الشعب دوره التشريعي هذا، باستجواب وزير، ويطرح القضايا الجوهرية على بساط أحمدي، وأن يتخلى النواب عن خوفهم وترددهم ومصالحهم الضيقة، مقابل الانفتاح أكثر على مصالح المواطنين، وقضايا البلاد المهمة.

الاستجواب هو سلاح قوي بيد أعضاء المجلس، وأداة تحقق الجدوى، عند استخدامها في الوقت المناسب، وأن يكون بيد الراغبين في الاستجواب معطيات كافية تجعل من الاستجواب فعلاً حقيقياً، يحقق نتائج إيجابية، وسلطة محاسبية. إذ استخدم مجلس الشعب في دوره التشريعي المذكور الاستجواب ثلاث مرات، كان أخرها استجواب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شاهين، عقب نحو ستة أشهر من تسلّمه هذا المنصب. وظهرت أصوات في المجلس لا ترغب باستجواب الوزير، وتحاول التقليل من أهميته، والتخفيف من دوره الإيجابي، مقابل موقف آخر لنواب يدافعون بشدة عن حقهم في استخدام صلاحياتهم التشريعية، التي كفلها الدستور، وهي في النهاية أمانة للناخب برقبة المُنتَخَب.

من الجيد أن يشعر الوزير في لحظة معينة أنه تحت سلطة القانون، وأن العلاقة التي تربطه مع السلطة التشريعية، علاقة عمل، وليست علاقة مصلحة. ومن الجيد أيضاً أن يجد الوزير نفسه تحت قبة مجلس الشعب، متهماً، وأن القانون فوقه، ويرضخ له بإرادة، ودونما شروط. كان الاستجواب الأول بحق النائب الاقتصادي قدري جميل، حول أداء الوزارة ذاتها التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي كان يشغلها، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد ظافر محبك، في حزيران ،2013 وأتى الاستجواب الثاني بحق وزير الصحة السابق سعد النايف، في آذار 2014. فيما الاستجواب الثالث للوزير شاهين في شباط 2016.

فهل هي المصادفة أن يستجوب أعضاء مجلس الشعب وزيرين تبوّأا الوزارة ذاتها: التجارة الداخلية؟

تعاني وزارة التجارة الداخلية من مشكلة أدت في كل الأحايين إلى وضعها تحت العين الرقابية، فهي وزارة تمس حيوات كل المواطنين مباشرة ويومياً، وهذا يعني أن الملف المعيشي الذي تتقاسم مسؤوليته كل الوزارات، تدافع عنه وتدفع ثمنه وزارة التجارة الداخلية، وشاءت الظروف أن تبقى هذه الوزارة في أذهان الجميع لحظياً.فمع كل كيلو سكر يباع نتذكر هذه الوزارة، ومع كل مخالفة تموينية، وابتزاز، وارتفاع في الأسعار، وفقدان مادة من الأسواق، وغيرها من قضايا الناس المعيشية، تكون (التجارة الداخلية وحماية المستهلك) في الواجهة.

كما أن هذا الاستجواب، ينبئ، باهتمام لصيق بقضايا المستهلك، وشؤونه المعيشية. لكن، كلا الاستجوابين لم يصلا إلى نتيجة مهمة، أو لم يقدما لنا نتائج مرْضية، وبالمسطرة ذاتها نقيس على الاستجواب الثالث. فبقدر فرحتنا بها، خيبت آمالنا في النتائج المتحققة، وفي تدارك الملاحظات، وتلافي السلبيات. مع أن الأسئلة المقدمة جوهرية، والإجابات لا تخرج كثيراً عن هذا الإطار، فهل كانت هذه الاستجوابات الثلاثة زائدة عن اللزوم؟

لا نعتقد ذلك، كانت الاستجوابات مهمة، بإجابات غير كافية، وهذا سببه شكل التعاطي من قبل السلطة التنفيذية مع غيرها من السلطات الأخرى، وظنها الدائم أنها على صواب، فيما مجريات الواقع تقول عكس ذلك.

ينظر الوزراء عادة إلى أنفسهم على أنهم فوق المحاسبة، حتى ولو ارتكبوا مخالفات قانونية، ولم يُحاسَب وزير على خسائر مؤسسات تابعة له، أو مخالفات ارتكبها، وأقصى ما نلاحظه هو تغيير الوزير، مع التعديلات الحكومية. وبالمسطرة ذاتها نقيس على عدد غير قليل من المديرين العامين أو كبار المسؤولين، الذين يكون إعفاؤهم من مناصبهم، هو أقصى درجات المحاسبة وأشكالها، أي يمكن وصف هذا العمل المحاسبي بأنه مكافأة نهاية الخدمة.

وهذا ما جرى في استجواب وزير التجارة الداخلية شاهين مؤخراً، لدى سؤاله عن قضية تعيين مدير عام لمؤسسة الحبوب، متهم، من قبل الأجهزة الرقابية، بارتكابات وتجاوزات ، دون أن يحرك مسؤول في البلاد ساكناً. وفي هذا السياق، طرح أحد أعضاء المجلس المركزي للاتحاد العام لنقابات العمال في دورته الأخيرة القضية ذاتها على رئيس مجلس الوزراء، دون أن يتغير شيء. السؤال: ألا يوجد شخص كفء في البلاد قادر على إدارة مؤسسة الحبوب، ريثما تنتهي قضية مديرها الحالي ويتبين للجميع هل هو مدان أم بريء؟

في الاستجواب ذاته: لم تخرج الأسئلة الأخرى عن هموم الناس اليومية، ومعاناتهم مع الارتفاع المضطرد للأسعار، وغياب الدور الفاعل للرقابة التموينية، وضعف أداء مؤسسات التدخل الإيجابي، وهي المحاور ذاتها التي طرحت في استجواب النائب جميل. هذا ثالوث اللعنة الذي يلاحق أداء وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ويؤدي إلى تقييم عملها بالفاشل، رغم عدم إنكار أنها تحاول أن تُمارس بعضاً من المطلوب منها. ولهذا كانت الأسئلة على أهميتها في الاستجواب، تقليدية بالنسبة للوزير، إذ إن ما طُرح في الاستجواب، هو عينه الذي يطرح في وسائل الإعلام وفي جلسات مجلس الشعب والمؤتمرات والندوات ذات الصِّلة بهذه القضية. خرج وزير التجارة الداخلية من الاستجواب كما غيره من الوزراء السابقين المُستَجوبين، بحالة تشبه المنتصر، كما أن أعضاء مجلس الشعب طالبي الاستجواب، شعروا أنهم أدَّوا المطلوب منهم: الوزراء قدموا مبررات، والأعضاء طرحوا أسئلة، وانتهت القضية. السؤال: هل هذا يكفي؟ وهل هذا ما نريده من الاستجواب؟

حرك استجواب قدري جميل مع حاكم مصرف سورية المركزي، بحضور الوزير المختص، حرك المياه الراكدة، وبثّ حالة من التفاؤل المعقولة، وجعل الآخرين يطمئنون لاستخدام مجلس الشعب حقاً كان مغيّباً، قد يسهم في معالجة قضايا عالقة، أو مشكلات مستعصية الحل، ومحاسبة متلاعبين وفاسدين (على رأسهم ريشة). لكن لم نصل بعد بفضل الاستجواب إلى هذا المستوى، بدليل أن بلداً كاملاً يتحدث بقضية مدير عام الحبوب، والحكومة مصرّة على بقائه في منصبه، قبل أن يبت القضاء بملفّه، أو بإعادة تموضع ثلاثة مديرين عامين في أبرز مؤسسات الدولة وأكثرها ربحية. هذه العقلية الحكومية، والذهنية الوزارية، هي ذاتها التي لا تنظر بأهمية إلى الاستجواب، ولا تنظر بجدية إلى ما يطرح من قضايا سواء في المجلس أو غيره، إنها عقلية واحدة تقنع ذاتها بأنها على صواب دائم.

نقطة الالتقاء بين الاستجوابين الأول والأخير، للنائب الاقتصادي السابق ولوزير التجارة الداخلية الحالي، أنهما لمسؤولين غير بعثيين، الأول طلب استجوابه عضو مجلس شعب كان عضواً في حزب جميل، إضافة إلى أن عضو مجلس شعب آخر طلب استجواب وزيري الصحة الأسبق والتجارة الداخلية الحالي، دون الوصول إلى نتيجة مقنعة، أو تغيير في إجراء مُتَّخذ، أو في الحد الأدنى الاعتراف بوجود مشكلة. وهذا يتنافى مع أهمية الاستجواب بصفته ممارسة جديدة، تعزز الحياة الديمقراطية، ويضع الحكومة المتراخية أمام مسؤولياتها الجسام، وحدّاً يفصل العلاقة الغامضة بين أعضاء أهمّ مجلسين في سورية: الشعب والوزراء، اللذين يتعاونان أحياناً لما هو ضد مصلحة المواطن.

العدد 1107 - 22/5/2024