عجمي.. حيٌّ في يافا
اعتقال الحقيقة بأصفاد واقع مزيف ومشوّه، وتهميشها ودحضها، عن طريق وضع السّم في الدسم، بالرّغم من جودة (عجمي) السينمائية فهو واحد من الأفلام الخمسة، التي رُشحت لأوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 2010 وهو يفترش من مدينة يافا القابعة تحت نير المحتل في فلسطين الحبيبة، مسرحاً لأحداثه الملتبسة بالواقع المشبوه…
تبدأ قصة الفيلم مع مشهد لراكبين على دراجة نارية، وهما يطلقان النار على شاب يحاول إصلاح سيارته، فيرديانه قتيلاً، لتعلو الأصوات والصياح المصحوب بالنواح والنحيب، لنكتشف أن القتيل لم يكن هو المقصود، بل من كان يُراد قتله هو شابٌ يدعى عمر(شهير قبة) من عائلة فلسطينية، اتُفق على تصفيتها، من قِبل عشيرة فلسطينية أخرى، ثأراً وانتقاماً لأحد أفرادها كان قد قتل بإطلاق النار عليه…، وهكذا تبدأ قصة أحد أبطال الفيلم الأربعة مَنْ تتشابك أقدارهم لتعكس لنا واقعاً مريراً ملطخاً بالغدر، الخيانة…الألم… المخدرات والضياع….، وهو عمر الذي يحاول أن يحمي عائلته بدفع فدية لتلك العشيرة، لكن مبلغ الفدية طائل جداً ولا يستطيع تأمينه، مما يدفعه لطلب المساعدة من رجل يملك مطعماً هو( يوسف صهواني)، والد الفتاة غدير(رنين كريم)، التي يحبها، وبالفعل يستجيب والد غدير لطلبه ويقدم له يد المساعدة…
وفي هذا الجزء من الفيلم، تم تصوير الفلسطينيين وبالتحديد القاطنين داخل الأراضي المحتلة، بصورة غير حضارية، يمتهنون القتل والثأر والعنف والغدر…، هم يقتلون بعضهم البعض، فهم بذلك خطر على المستوطنين، وفي مشهد صميمي هو الآخر يتلقى عمر سلاحاً عبارة عن مسدس، من خلال فجوة صغيرة، أُحدثت في جدار الفصل العنصري، إذ إنّ في ذلك دلالة واضحة لكثير من المعطيات التي تعيشها فلسطيننا الحبيبة..
وأيضاً في مشهد آخر يقوم أحد الشبان، بطعن جاره المستوطِن بعد أن أتى ملقياً التحية، فيتشاجرا عندما طلب أن ينقل الحظيرة بعيداً عن أماكن السكن، لأن أصوات الحيوانات تزعجه، ولم يستطع النوم منذ أسابيع….
تقودنا المشاهد إلى مالك (إبراهيم فريج) الفتى اليافع، الذي يعمل في يافا بصورة غير شرعية، إذ يتم تصوير طريقة دخوله إلى يافا بشكل كامل، هو بحاجة إلى النقود كي يستطيع دفع تكاليف علاج أمه المريضة، مما يدفعه للعمل في مطعم أبو غدير،تجري الأحداث نحو عقدة أساسية في الفيلم عندما يعرف مالك أن صديقهم الذي وجد ميتاً في بيته يملك كمية من المخدرات، يخبر عمر بالأمر ليقوم بأخذها ليلاً ويقرر بيعها كي يستطيع تأمين مبلغ الفدية، لكن يد الغدر كانت له بالمرصاد، ونجد أن مالك اضطر إلى أن يخبر والد غدير بموضوع المخدرات، فيجد في ذلك فرصة للتخلص من عمر، كي لا تتزوج ابنته شاباً آخر من غير دينها، فيهدد مالك بطرده من العمل وتسليمه للشرطة الإسرائيلية، إن لم يلتزم الصمت وتنفيذ ما سيطلبه منه، فما يكون منه سوى الإذعان لمطالب رئيسه في العمل وإلا فإنه سيطرد وستموت والدته…
تعرّج الأحداث إلى الشاب بنجي (إسكندر قبطي)، الذي يقيم علاقة مع فتاة إسرائيلية، تطلب منه أن ينتقل للعيش معها رغم معارضة رفاقه، فيقع فريسة للحيرة والضياع وهو التائه ما بين قدره وأخيه الملاحق من قبل الشرطة الإسرائيلية بتهمة ترويج المخدرات وبيعها، كل ذلك وأكثر يقوده لتناول كمية كبيرة جداً من المخدرات، كانت مخبأة عنده ليقضي منتحراً. ومن خلال قصة بنجي تسير الأحداث إلى الشرطي الإسرائيلي داندو، هو وعائلته، في محاولتهم للتأقلم مع الاختطاف الغامض لأخيه من قبل الفلسطينيين، أثناء عودته للمنزل، حيث يتم التركيز على تلك المعاناة، وتكثيفها كمشكلة أساسية في فلسطين، وكيف يتم تعاطي العائلة مع ذلك الحدث الكبير، الذي ألمّ بهم من بكاء ونحيب وبذل لكل الجهود في محاولات بائسة لمعرفة مكانه أو جثته، وقاتله أيضاً.
لقد تم تصنيف العمل على أنه فيلم جريمة كجريمة، إنتاجه من الصهاينة والألمان، وقد قُدّم للعالم وللشعب الأمريكي كي يرى الأمريكيون المعاناة التي يعيشها القاطنون هناك ولتسليط الضوء على مسألة التعايش المشترك والصراع القائم بين الثقافات والمجتمعات والأطياف الدينية، والمؤدي في كثير من الأحيان إلى العنف والقتل. وإذا كان النظر إلى مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمنظار كهذا، فإن عدساته كانت منحازة كل الانحياز للجانب المغتصب والتعاطف مع معاناته، فالمضمون الموارى بالتشويق هو الصراع الفلسطيني مع ذاته، أي بين الفلسطينيين أنفسهم، وهذا ما توحي إليه الأحداث بطريقة غير مباشرة، ولقد تم تهميش الصراع الرئيسي والمباشر بين الطرفين، إن كان في هذا العمل أوفي أي فيلم آخر يتحدث عن القضية الفلسطينية، كما حدث في فيلم(الجنة الآن) أيضاً.
وإذا أردنا توخي الموضوعية، فالفيلم جيد جداً من كل جوانبه السينمائية، إلا من خلال الطرح الموارب، الذي يقود إلى نهاية مأساوية جداً ومواربة أيضاً، فأطفال فلسطين لا يملكون سوى الحجارة ليدافعوا بها عن أنفسهم وقضيتهم، وليس المسدسات.