طَرب وعُرب.. نظرية حركات حروف اللغة في الغناء والموسيقا واللحن
يقدم الدكتور معلا غانم في كتابه الجديد (طرب وعُرب) قراءة جديدة للتواصل مع اللحن والموسيقا العربية، ويفتح أفقاً جديداً للتلقي الموسيقي، وخصوصاً في تحليله للحرف الغنائي وأخذه لنماذج غنائية عربية عكست جوهر الحرف اللغوي ودلالته اللحنية والوجدانية. إضافة إلى كشف المنهج المتبع في القراءة عبر وضعه ثيميات الفكرة الرئيسية أو النظرية (نظرية حروف اللغة في الغناء والموسيقا واللحن) في مقدمة الكتاب، وبذلك يكون قد أعاد للقارئ الاستماع إلى المقطوعة الموسيقية أو الأغنية عبر هذه الثيمة أو الفكرة الرئيسية التي اشتغل عليها.
في مقدمة الكتاب يحاول الدكتور غانم وضع الإطار المعرفي لنظريته بالحديث عن الشيفرات التي ساهمت في كشف الجملة الغنائية، وبالمقابل يقدم للقارئ الفضاء المفتوح للقراءة والاستماع فلا يجزم في قراءته للنماذج الغنائية على أنها وصلت إلى ذروة الإبداع، لكنه في تتبع أساسيات الشيفرات التي اعتمدها يقنع القارئ فيما يرصد من أصوات وتجارب غنائية في العالم العربي.
وفي حفره لبواطن النصوص الغنائية والمنهج الذي اتبعه في القراءة يرصد فكرة الشيفرات التي سماها صراحة (رحلة العقل في سبر شيفرات الإبداع الطربي وهي: شيفرة الطَرَبْ، وشيفرة العُرَبْ، وشيفرة السلطنة، وشيفرة الأوبرا، وشيفرة الصوت، وشيفرة الحوار، وشيفرة الكلمة، وشيفرة السمع، وشيفرة العقل الباطن..) إلى أن يصل إلى شيفرة أرومة الشيفرات التي يطلب من القارئ كشفها تباعاً بقراءته الواعية، وهو علاوة على ذلك لايسلب القارئ رأيه في النماذج الغنائية لكنه يوضح فكرة الجمالي في الأداء الغنائي واللحني ويربط بين حركة الحروف والتون (الصوت) البشري الذي يحقق ذلك التوازن بين الجملة الموسيقية الغنائية والحرف أو الكلمة.
وفي عرضه لشيفرة الصوت يكشف الدكتور غانم عن ماهية الصوت الغنائي ويحاول رصد أبعاده جسمانياً فيقول:(فكما أنه عند الرجال نسمع الأصوات العريضة لبعد الحبال الصوتية عن بعضها وضخامة الحبال الصوتية وضخامة الغضاريف الحنجرية وكبر الأجواف الرأسية والوجهية، بينما الأصوات رفيعة وحادة عند النساء لزوال المعطيات السابقة، وكذلك هي أصوات آلة التشيلو هي أضخم وأقوى من أصوات آلة الكمان للسبب نفسه، ويتدخل حجم الرأس ـ عنصر هام جداً ـ في العملية الصوتية مما يزيد الفراغات الصوتية ـ ازدياد حجم الجيوب الوجهية والرأسية ـ جوفا الفم والأنف، التي هي تمثل صندوق الآلات الموسيقي.. ونلاحظ كيف يختلف سعة صوت الآلات الموسيقية ومجالها تبعاً للفراغات فيها، فخذ مثالاً أحجام الرأس الكبيرة عند كل من وديع الصافي ومحمد عبد الوهاب، ومحمد عبد المطلب، وفهد بلان، والياس كرم. ولنأخذ مثلاً آخر عن التناسب الهائل بين أبعاد الحنجرة وقياس الرأس عند كل من أم كلثوم وليلى مراد وربا الجمال) ص52. ويرتكز المؤلف على فكرة الحروف التي تصل في ذروتها إلى السكون العظيم كما يسميه، إذ تتقدم الحركات بالنسبة للحروف صوتياً لتعطي دلالة الحرف المتحرك، بينما الحرف الساكن وهي تمثل الحروف الثلاثة الألف والواو والياء ليصل فيها اللحن إلى ذروته، ويحضر للقارئ أمثلة عديدة من تجارب الغناء والموسيقا في العالم العربي كأغنية (أسامينا) للسيدة فيروز من ألحان فيلمون وهي. فحين يحلل كلمات الأغنية وينطلق من مفردة أسامينا فإن في تكرار الحرف الطربي الألف ثلاث مرات جعل الخط البياني غير مسطح، فتكرار الحرف أكثرمن مرة وسبقها في الختام (نا) جعل المفردة كلمة طربية بامتياز، ويجد ذلك المخطط حين يطبقه على الكوبليه الأول (لا خضر الأسامي ولالوزيات ) التي تختتم بمفردة (شتويات) والتي تدخل اللعبة الطربية وتتفق مع المعنى الباطني للجملة الموسيقية. ويجد ذلك أيضاً في التسكين المتكرر في جملة (ولا لوْ ننْ أزْرقْ).
هنا يقدم الباحث جملة من المقطوعات والأغنيات المشهورة لكبار المطربين العرب حول الطريقة الأقرب إلى الباطن في الانتباه لاستماع الحروف الطربية الثلاثة في تلكم التجارب. وهو أيضاً يقدم الفكرة الواضحة للأصالة الموسيقية في حديثه عن فيلمون وهبي ورياض السنباطي حين تركا للمقدمة الموسيقية دوراً تحفيزياً وجمالياً للدخول في عالم الأغنية، ويسخر من الموسيقا الكهربائية وتقنيات الأورغ إذ يعتبر أن (من يتباهى بها كمن يتباهى بفوزه بسباق الضاحية مستعملاً دراجة هوائية أو نارية بدلاً من ساقيه)ص166
ويدعو الكاتب إلى القراءة المتأنية والواعية لكتابه والعودة للأغاني التي درسها وهي كثيرة، ليصل مع القارئ إلى البعد الجمالي والباطني المقدس في اللحن والموسيقا والغناء وخصوصاً في أغنية بكوخنا يابني) للسيدة فيروز، وموشح (ملا الكاسات) وكذلك أغنية (سوا ربينا). إضافة إلى دراسته الوافية للمقامات والإيقاعات والصوت والارتجال.
يذكر أن الكتاب مؤلف من جزأين، صدر مؤخراً عن مجلة دبي الثقافية – آذار 2014.