النفط الخليجي أحد مآسي العرب!

 لعب النفط العربي منذ اكتشافه، ولاسيما منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي إلى الآن، دوراً حاسماً وخطيراً في الواقع العربي وفي تطورات الأحداث السياسية في المنطقة عامة، بحيث يمكن القول إنه كان وراء كل المآسي التي لحقت بالعرب.

منذ أن اكتُشف أول بئر نفطي في الجزيرة العربية، وكان ذلك في البحرين، حيث اشترط الشيخ الحاكم لمشيختها من عائلة آل خليفة الحصول على سيارة (رولزرويس) وتأمين ملء خزانها بالوقود مقابل منح الشركة امتياز استخراج النفط، وأخذ سعر برميل النفط يزداد فوصل إلى دولار، إلا أنه لم يتجاوز 2-3 دولارات طوال فترة الخمسينيات والستينيات، حتى اندلاع حرب تشرين عام ،1973 إذ أدى إعلان الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز عن حظر تصدير النفط إلى الغرب، إلى ارتفاع أسعار برميل النفط في الأسواق العالمية، علماً بأن الوثائق المفرج عن سريتها، كشفت أن ذلك الإعلان كان (صورياً) فقط.

إذاً.. شكلت حرب تشرين نقطة تحول هامة في مجال تسويق النفط، تدفقت بعدها الثروات على ممالك الخليج وإماراته، وترافق ذلك مع أزمة اقتصادية كانت تعيشها الولايات المتحدة بسبب حرب فيتنام، الأمر الذي اضطرها إلى بيع مخزونها من الذهب الذي كان يشكل رصيدها الذي يعطي للدولار سعره في الأسواق العالمية. وإزاء هذه الأزمة، توصل كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية آنذاك إلى عقد صفقة مع الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، بحيث يحل بموجبها النفط الخليجي مكان الذهب، على أن تتعهد الدول الخليجية ببيع النفط بالدولار فقط، وبإيداع الفوائض المالية الهائلة في المصارف الأمريكية، لتبدأ منذ لك التاريخ حقبة جديدة في الوطن العربي يلعب فيها مال (البتردولار) دوراً أكبر من حجم دول الخليج وواقعها سياسياً وحضارياً، ولتنتقل دور الخليج إلى مركز التأثير في السياسة والثقافة في الوطن العربي.

لقد أصبحت كل من الرياض والدوحة والكويت وأبو ظبي تمتلك إمبراطوريات إعلامية ضخمة استُخدمت في نشر أفكار وعقائد مختلفة في الوطن العربي والمنطقة والعالم أجمع، تخدم الدور الوظيفي الموكل لحكام هذه العواصم في مجال خدمة أجندات السياسات الأمريكية والغربية، وأهدافها، وفي مقدمتها تدمير الدول العربية المركزية التي خاضت حرب تشرين (تشرين ومصر والعراق)، وأبدت مقاومة للهيمنة الاستعمارية على المنطقة العربية، خاصة أن هذه الدول الثلاث هي التي تشكل العمود الفقري في حركة التحرر العربي.

وهكذا وقعت دول حرب تشرين بين خيارين، أولهما الخضوع المذل لممالك النفط ومشيخاته ، والثاني: ملاقاة مصير التدمير لقدراتها على التأثير في الساحتين العربية والإقليمية. وهذا ما حصل فعلاً، فقد تلقت موجات الانتحاريين والجهاديين من معظم دول العالم الذين شكلت وعيهم السياسي قنوات الخليج الفضائية مثل الجزيرة والعربية وغيرهما، والمراكز الدينية المنشأة في العديد من دول العالم والممولة سعودياً وقطرياً.

في هذا السياق دُمّر العراق واحتُلت أراضيه وفُرض عليه دستور قائم على الطائفية والمحاصصة في السلطة، ما أدى إلى الأوضاع المأسوية التي يعيشها، إلى جانب استقلال إقليم كردستان وأخيراً مجيء داعش إلى أرضه. أما مصر، فقد تعرضت وماتزال لعملية ليّ ذراع وتحجيم دورها العربي والإقليمي، من خلال استغلال أزمتها الاقتصادية الخانقة، ما دفع قياداتها إلى الانكفاء ثم التنازل مؤخراً عن السيادة المصرية على جزيرتي (تيران وصنافر) بموجب ما سمي (اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين)، الأمر الذي تسبب في  إيجاد ردة فعل شعبية جماهيرية غاضبة وغير مسبوقة، وانقسام في صفوف الشرائح الاجتماعية التي وقفت مع ثورة 30 حزيران التي أسقطت حكم الإخوان المسلمين ممثلاً بالرئيس المخلوع محمد مرسي المتستر برداء الدين.

ثم جرى استهداف سورية منذ عام 2011 بحرب إرهابية كونية عبر مجموعات مسلحة من المرتزقة، مدعومة من أمريكا والغرب وإسرائيل، وممولة من السعودية وقطر وتركيا، وذلك بهدف تدمير الدولة السورية وإنهاء دورها الريادي في المنطقة، خاصة في مجال تصديها لمشاريع الهيمنة على المنطقة، ودفاعها عن القضايا الوطنية والقومية وفي مقدمتها قضية فلسطين.

باختصار.. هذا هو دور النفط العربي الخليجي، هذه الثروة يمكن أن نقول عنها بأن حكام الخليج حولوها إلى (نقمة) بدلاً من أن تكون (نعمة) على العرب.

العدد 1104 - 24/4/2024