هذا ما قلناه منذ البداية: هل نغلّب مصلحة الوطن والشعب؟

يستمر الحراك السياسي الداخلي في البلاد، وتتنوع أشكاله ومظاهره، وتتعدد الفئات المشاركة فيه، بين فئات سياسية وشعبية تتبنى مطالب سياسية واجتماعية مشروعة، تعبر عنها بطرق سلمية في الشارع والتجمعات ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية الرسمية والخاصة، وفئات أخرى تنتمي إلى أطياف المعارضة السياسية التي تحاول صياغة موقف موحد من مشاريع الإصلاح السياسي التي صدرت، والتي ستصدر تباعاً. هذه المعارضة التي يطالب بعض ممثليها باللجوء إلى الحوار الوطني الواسع دون شروط وسقوف، ويعبّر بعضها الآخر عن مواقف أكثر تشدداً، مطالباً قبل عقد الحوار الوطني بتنفيذ حزمة من المطالب كبادرة حسن نية من السلطات. ويأتي اللقاء الذي عقدته شخصيات معارضة غير منتمية إلى أحزاب سياسية- كما أشيع – في دمشق بتاريخ 27 حزيران في سياق السعي لبلورة موقف موحد واضح تجاه الحوار الوطني العتيد، وتجاه الحلول المطروحة بشكل عام لمعالجة الأزمة التي تعانيها البلاد، وتترك آثارها السلبية على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وهناك من يسعى إلى تحويل الحراك السياسي في البلاد من سياقه السلمي، إلى حراك يعتمد العنف واستخدام السلاح، في محاولة لعرقلة الحلول السياسية السلمية للأزمة التي تؤيدها الغالبية العظمى من أبناء شعبنا، فالبعض يعيث تدميراً وتخريباً وحرقاً لممتلكات عامة وخاصة، والبعض الآخر يستخدمون السلاح وارتكاب المجازر بحق العسكريين والمدنيين، وآخرون يقتلون أفراداً من كلا الجانبين لإثارتهما معاً، بهدف تصعيد المواجهة، وتحويلها إلى حرب أهلية مجنونة، تنفيذاً لمخطط رسمته مخيلات مريضة في الخارج، وتنفذه أيد مجرمة في الداخل.

لقد أكدنا سابقاً، ونؤكد اليوم أن السبيل الوحيد الآمن لمعالجة الأزمة في البلاد، والرد على مخططات الخارج الساعية إلى تفجير الأوضاع، هو الحوار الجدي المفتوح، هو اللقاء بين أطياف متساوية، دون أحقاد قديمة، ودون شروط تعجيزية، في وقت يتطلب التنازل من جميع الأطراف بهدف صون وحدة الوطن وكرامة الشعب.

لقد عرف شعبنا في الماضي، ويعرف اليوم، طريقه إلى نيل المطالب السياسية والاجتماعية، وهو لا يحتاج إلى وصايا الخارج.. وتدخلات الخارج، ونقول لهؤلاء الذين يوجهون التهديدات.. والعقوبات.. والنصائح المغلفة بنكهة الإملاء: كفى خداعاً ومخاتلة، فلن يصدق أحد غيرتكم على حرية مواطننا وحقوقه الديمقراطية، واتركوا الأمر لشعبنا الذي عرف طريقه إلى تحقيق مطالبه المشروعة، واتركوا الأمر لمشاريع إصلاحية أساسية بدأت بالظهور، وتنتظر الحوار الواسع، وأخرى قيد الدراسة، تكرس حقوق المواطنة والحريات السياسية، والتداول السلمي للسلطة، وبضمنها تلك المتعلقة بمواد الدستور السوري، وخاصة المادة الثامنة.

نوضح هنا، أننا لا نضع التحول الديمقراطي وأهميته لإنهاض البلاد سياسياً واجتماعياً موضع شك، فوجود الديمقراطية هو القاعدة.. وافتقادها استثناء لن يطول أمده، لكننا مع إيماننا المطلق بأهمية الإسراع في تحقيق الإصلاحات الديمقراطية، نريد خيارنا.. مشروعنا الديمقراطي العصري الذي تقرره مكونات شعبنا السياسية والفكرية والدينية والإثنية، بمعزل عن الخارج.. وإملاءات الخارج. هذا ما دعونا إليه، وهذا ما نسعى مع جميع من تعز عليهم مصلحة الوطن والشعب، لإنجازه من خلال مؤتمر وطني عام، يضم جميع المؤمنين بضرورة الانتقال السلمي إلى عهد تسود فيه الديمقراطية، دون شروط وسقوف محددة، سوى السقف الذي يضمن سلامة الوطن وحرية المواطن، تتفق في هذا المؤتمر القوى السياسية والاجتماعية وتختلف، تتحاور فيه وتتساوى أطياف وفئات متعددة، وتعمل في النهاية على وضع مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي، يفتح أمام بلادناً آفاقاً جديدة رحبة.. تعظّم مكانة المواطن، وتضمن حرياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، آفاقاً تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، بعيداً عن اقتصاد السوق الحر الذي نغّص حياة المواطن السوري، آفاقاً تحفظ وحدة الوطن وتقوي صموده، آفاقاً تمهد لاستخدام جميع أشكال النضال من أجل تحرير أراضينا المحتلة.

إن جماهير الشعب السوري قلقة على مصير بلادها، وقطاعاتنا الاقتصادية الرئيسية تعاني مرحلة ركود قد لا تستطيع تحملها لفترات طويلة، والآفاق الجديدة مرهونة بسرعة عقد الحوار الوطني الذي سيناقش مشاريع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهل يتغلب صوت العقل؟! وهل نغلّب مصلحة البلاد على أية مصلحة سياسية أوحزبية أو فئوية؟

هذا ما نتوقعه من الجميع!

النور | العدد 490 (29/6/2011)

العدد 1140 - 22/01/2025