القرن الأمريكي!! مَنْ يُعيد تركيب الشرق الأوسط وفق الضرورة الإسرائيلية   

د. نهلة الخطيب:

في ظل هذه الأحوال المؤلمة التي تعيشها منطقتنا والتي أنتجتها متغيرات داخلية وأخرى فرضت خارجياً، وهي المنطقة الوحيدة التي أعلن الأمريكيون رغبتهم في ملء الفراغ بها، كأن لا بشر ولا دول على أرضها، تختلف الاصطفافات والمواقف والأصدقاء والأعداء والحلفاء، ولا يخفى على أحد مشاريعهما في المنطقة، فاصطدمت المشاريع بين اللاعبين، إسرائيل وتركيا وإيران، من اللاعب الاقليمي المركزي في المنطقة، نتنياهو وهو يتوعد بتغيير الشرق الأوسط، وكم سخرنا منه، فكانت هيروشيما غزة، ثم هيروشيما لبنان، ثم تدمير القدرات الاستراتيجية العسكرية الدفاعية السورية، الجوية، والبحرية، سلاح المدرعات وكل شيء يتبع للجيش، فكل أعداء إسرائيل قضوا تحت الأنقاض، ما يحدث في منطقتنا يتعدانا جميعاً، وفوق قدراتنا على الاستيعاب، ما زالت سورية مسرحاً لـ(اللّعبة الكبرى)، بانتظار مسرح جديد بدول الطوق الإسرائيلي.

إسرائيل حليف تكتيكي مع تركيا في هذه المرحلة، وهي مسالة فائقة الأهمية، تركيا الراغبة بدور محوري في مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو ما يتفق ورؤية هنري كسنجر التي طرحها عام 1995 والتي تقول: (إن تركيا يجب أن تكون دولة محورية في الشرق الأوسط)، طبعاً الشرق الأوسط الجديد الذي سوّق له نتنياهو، والذي يقوم على أنقاض دول ودماء عربية، لطمس الهوية القومية، والمستهدف فيه كل العالم العربي، أردوغان منح أضواء خضراء كافية، لأن يؤدي ما يخدم استراتيجية القطب الأوحد أمريكا، التي تعتبر نفسها منفردة بمقدرات العالم، أليس هو القرن الأمريكي!!! من يعيد تركيب الشرق الأوسط وفق الضرورة الإسرائيلية.

أربعة عشر شهراً بين طوفان الأقصى واحتفال السوريين بانهيار نظام الأسد، وهل كان هناك نظام! أم مافيات وطوائف، وإخراج إيران وروسيا من دمشق، طوفان الأقصى ترك بصمة بارزة على العالم بشتى المستويات الجيوسياسية والجيواقتصادية وخاصة منطقة الشرق الأوسط التي تغيرت بشكل كبير وشهدت تحولات وأحداثاً عنيفة، تداعيات طوفان الأقصى غيرت وجه المنطقة، رموز وقيادات كبيرة رحلت، تفكك محور إيران، وحمل تغييراً حقيقياً في موازين القوى، فعلى الصعيد الاقليمي تركيا التي تسعى لزيادة نفوذها الجيوسياسي في صعود، إيران في انحسار وتقهقر نتيجة فشل استراتيجيتها في سورية والمنطقة ككل، إسرائيل في غطرسة، والدول العربية لا حول لهم ولا قوة، لديهم فرصة لأداء ما يجب عليهم صد المطامع الخارجية والإسرائيلية وملء الفراغ الإيراني. على الصعيد العالمي موازين القوى ليست في صالح روسيا ولن يكون لنفوذها ثقل لفترة طويلة، روسيا هزمت في سورية، وتداعيات خسارتها على البحر الأبيض المتوسط من خلال القواعد، ومستقبل هذه القواعد رهن المقايضة مع تركيا. روسيا لن تتعافى بعد هذه النكسة لفترة طويلة، هذا لا يعني أنها انتهت، ما زالت تراهن على حسم حرب أوكرانيا.

وبقي نتنياهو يحتفل بالانتصار، سورية دولة منزوعة السلاح، (كسر سورية، الحلقة المركزية في محور الشر الإيراني)، حرب نتنياهو فيها عملية غير مسبوقة من نوع جديد حارب دون أن يكون أمامه عدو، حرب من طرف واحد لا يوجد جيش يحارب، وبعد انتهاك للحدود والمعاهدات الدولية ومعاهدة فصل القوات عام 1974 التي تم المصادقة عليها في مجلس الأمن، قام بعملية تدمير ممنهجة للمؤسسة العسكرية لضمان عدم إمكانية الرد السوري، قد يحتاج إلى عشرات السنين لبنائه، واحتلال أراضٍ سورية، وإقامة المنطقة العازلة فيها، وغالباً لن يخرج تنفيذاً لرغبة ترامب بضرورة توسيع مساحة إسرائيل، في الوقت الذي يعيش فيه السوريون فرحة سقوط النظام، يأتي الاعتداء الإسرائيلي لينغص على الجميع ويرد على رسائل السلام التي تنطلق من الفصائل التي استعادت سورية، وينغص معركتها للتحرر من بقايا نظام الأسد التي مازالت في بدايتها واختيار طريقها الصحيح للتقدم، فما الذي تريده إسرائيل منها!؟

قد تكون هناك تعقيدات تلف المشهد السوري، فإيران وروسيا لاعبان يلفهما الغموض، أمريكا تدعم (قسد)، في الوقت الذي تعتبرها تركيا خصماً، إسرائيل تريد وصل قسد بالمناطق الجنوبية درعا والسويداء للوصول إلى إسرائيل، لإتمام مشروع مارشال للشرق الأوسط لقطع طرق الإمدادات لقطاع غزة والضفة الغربية تمهيداً للقضاء على المقاومة الفلسطينية، والتوغل الإسرائيلي جزء من الأجندة الإسرائيلية التي تقوم على الاحتفاظ بالجولان وفرض واقع جديد، بغض النظر عن رأي المجتمع الدولي، فهناك موافقة أمريكية على ضم الجولان أتت من رئاسة ترامب الأولى، ولا يمكن عكس هذا الواقع، وتحاول إسرائيل أن تؤكده وترسخه، فهناك مطامع إسرائيلية في سورية، وليست مجرد حفظ الأمن كما يروج لها الاعلام الإسرائيلي بتسلم الحكم من هيئة تحرير الشام المصنفة على لائحة الإرهاب.

سرعة سقوط نظام الأسد باغتت القوى المعارضة التي مازالت في حالة دهشة مما حدث، والتغيير في سورية ما زال غامضاً، من المفترض بدء تحرك سياسي إقليمي دولي يضغط على كل الأطراف في سورية، من أجل رسم خارطة طريق، فمن غير ذلك الجميع سيخسر، انفجار سورية يعني انفجار العراق ولبنان والشرق الأوسط بأكمله. الانفجار الذي يستتبع إعادة تشكيل الخرائط والدول والركام، سيكون له تداعيات على بلدان وشعوب وأنظمة المنطقة، لا أحد يعلم إلى أين نتجه، وكأنهم يدفعون الأمور إلى خيار اللاعودة.

العدد 1140 - 22/01/2025