على جدران الذاكرة | ملامح من حياة رفاق مناضلين في الحزب الشيوعي السوري
يوسف فرحة:
وصلتني ملاحظة من رفيق عن أسماء بعض الرفاق الأوائل أغفلت ذكرها من منظمة مدينة السلمية للحزب الشيوعي السوري، وبعد اطلاعي على تغريدة للرفيق نضال نصر الماغوط بعنوان (ولدت شيوعياً)، ونظراً لأهمية هؤلاء الرفاق لما قدموه في حياة المنظمة ودورهم الرائد وتاريخهم المجيد في الكفاح والنضال من أجل نشر الفكر الشيوعي وتطور عمل الحزب، فإنه لمن الإنصاف والضرورة الحديث عن تاريخهم المجيد
– مع بداية التأسيس لمنظمة مدينة السلمية كُلّف الرفيق الدكتور بدر الدين السباعي من حمص من قيادة الحزب بالإشراف على عمل المنظمة، ومن الرفاق الأوائل الذين عملوا معه الرفيق تامر هابيل الذي كان معلماً نشطاً في مدرسة الطالبية الابتدائية، والرفيق سهيل مازوني من حماه، اللذين تعرّضا للاعتقال أيام الوحدة. تعرّض الرفيق تامر للاعتقال بعد معركة مع رجال الأمن في المدرسة، وعمل فترة طويلة في الإتحاد العام لنقابات العمال في سورية، محرراً مميزاً في جريدة (كفاح العمال الاشتراكي)، كتب الكثير عن الماركسية وقضايا هامة أخرى في الاقتصاد والسياسة.
– الرفيق نصر الماغوط (أبو نضال)، المناضل الذي كرس حياته وأسرته وبيته للحزب، فكان بيته موئلاً للشيوعيين ومكتباً ومركزاً لمعظم الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الحزبية والوطنية. يتحدث الرفيق نضال، الابن البكر للرفيق نصر، قال: أذكر أن أمي حدثتني مرة بأنها في زمن الوحدة كانت تكلف بتوزيع المناشير المحظورة، والتي كانت تأتي من لبنان إلى سورية مطبوعة على ورق شفاف، وكنت مازلت طفلاً رضيعاً، فكانت تلفّني بالمنشورات، ثم تغطّيني وتلفّني بالحرام، ثم تستعير ملاءة أم يحيى نعوف، لتوزع بعدها المناشير وتوصلها إلى المكان المطلوب بأمان. وأنه في زمن الوحدة أيضاً اعتقل أبي ولم يكن لنا معيل سواه وكنت قد تجاوزت مرحلة الحبو وبدأت أنهض وأمشي، لكن أمي لم تستطع شراء حذاء لقدميّ الغضّتين، فلفت الأمر قريبنا ورفيقنا علي عفارة (أبو زياد) الذي أخبر الحزب بذلك، فلملم الرفاق من قروشهم ثمناً لحذاء يحمي قدمَيْ طفل.
لم يكن الرفيق نصر الماغوط رفيقاً عادياً، فقد غادر إلى لبنان وعمل في مهنة البلاط الشاقة في بيروت، وتابع نشاطه مع الشيوعيين هناك. يذكر الرفيق نضال والده قائلاً: ما زلت أذكر والدي العائد من ورشة البلاط بوجه وبدلة ملطخين بالغبار والدم ينزف من تحت أظافره، فيطلي يديه بالزيت لتخفيف ألم الجفاف الذي يحدثه الإسمنت، ويأتيه بعد ذلك (أبو موريس نهرا) ذلك الشيوعي الأشيب القصير المرح وهو يتأبط جريدة الأخبار كمن يتأبط عشيقته، وهو يناقش ويضحك ويعتزّ بالاتحاد السوفييتي وستالين ولينين، ويحكي عن رائد الفضاء يوري غاغارين، ويوزع الجريدة على المشتركين ويدلهم على المقالات الهامة. ويأتي بعد ذلك إلى غرفتنا اليتيمة (أبو خالد طنوس الحصني، وأبو زياد علي عفارة، وأبو وجدي كامل مصطفى، والمترجم نديم مرعشلي، أو الشخصية الشيوعية الفريدة والفذة جان صعيب، الذي كان رجل دين مسيحياً وصار شيوعياً، ويبدأ النقاش في الشعر والفن والموسيقا أو سهرة أو احتفال عمالي في الأول من أيار، ويتناول طنوس الحصني عوده ويصدح صوته بأغنيات كتب كلماتها ولحنها هو بكلام بسيط معبرعن الغربة وعذاب الشيوعيين: (بكرا بيفرجها الله – وعالضيعة منرجع منعود – وبتغني الضيعة كلّها، والسمرا أم عيون السود). هكذا كانت حياة المناضلين.
ومن الرفاق الشيوعيين الأوائل في السلمية أيضاً الرفيق علي عفارة (أبو زياد) واحد من المناضلين الذي كان يحتاجه كل رفاقه، مهني بارع في إصلاح كل شيء، وغالباً لا يتقاضى أي أجر من الرفاق، كان شيوعياً شهماً ومعطاءً. والرفاق: حسين ونوس (أبو إسماعيل)، وخالد شتيان، وفهد شتيان، وحسين عبود (أبو فؤاد)، وكان تجمع هؤلاء الرفاق مع الصناعي الشيوعي الحمصي المبدع الرفيق عبد الحميد الملوحي (أبو نضال) الذي أسس معملاً لإنتاج الكهرباء أنار مدينة السلمية، وكان مشروعه العمل على إنارة الريف، لكن التأميم طال المعامل والشركات التي كانت عبارة عن استثمارات صغيرة أسرية أحياناً أو عبارة عن أسهم بسيطة، مما أضر بالتطور اللاحق لهؤلاء المبدعين المنتجين وبالاقتصاد الوطني.
بمناسبة الذكرى المئوية لحزبنا الشيوعي السوري الموحد نرفع آيات المحبة والتقدير لهذه الأجيال من الشيوعيين المناضلين الشرفاء الذين أسسوا لبناء حزب للشعب والوطن، حزب الكادحين، حزب السنديانة الحمراء، جذورها ضاربة في الأرض وفروعها تعانق السماء، لأرواحهم الخالدة السلام ولذكراهم الوفاء، ولرفقاء الدرب نقول: لنعمل معاً شباب اليوم والمستقبل لنكمل المسيرة النبيلة من أجل مستقبل عادل للبشرية مستقبل الاشتراكية والشيوعية والسلام العالمي، من أجل سورية الموحدة وطناً للجميع.
عاشت الذكرى المئوية لتأسيس حزبنا الشيوعي السوري الموحد!
عاشت الشيوعية!
25 تشرين الأول (أكتوبر) 2024