اللقاء اليساري العربي: القضية الفلسطينية قضيتنا المركزية
د. أحمد ديركي:
عقدت الأحزاب اليسارية العربية لقاء لها في بيروت، وحضر اللقاء ممثلون عن كلٍّ من الحزب الشيوعي السوري الموحد (سورية)، حزب الإرادة الشعبية في سورية (سورية)، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (فلسطين)، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (فلسطين)، حزب الشعب الفلسطيني (فلسطين)، الحزب الشيوعي المصري (مصر)، الحزب الاشتراكي المصري (مصر)، الحزب الاشتراكي الموحد (المغرب)، الحزب الشيوعي العراقي (العراق)، المنتدى التقدمي البحريني (البحرين)، الحركة التقدمية الكويتية (الكويت)، الحزب الاشتراكي اليمني (اليمن)، فيدرالية اليسار الديمقراطي في المغرب (المغرب)، حزب النهج الديمقراطي العمالي (المغرب)، حزب الوحدة الشعبية الديمقراطية الأردني (الأردن)، التنظيم الشعبي الناصري (لبنان)، والحزب الشيوعي اللبناني (لبنان).
أحزاب وإن اختلفت تسمياتها، ومواقعها الجغرافية إلا أنها تملك خلفية فكرية موحدة تنطلق منها لمواجهة الإمبريال ية العالمية، والأنظمة التابعة لها أينما وُجدت، أحزاب قاومت من أجل تحرير بلدانها من الاستعمار المباشر، وها هي ذي اليوم تستكمل مسيرتها النضالية ضد الاستعمار بصيغته الجديدة غير المباشرة. نضالها الداخلي في أوطانها من أجل حقوق الطبقة العاملة والفلاحين والمقهورين، ترافق منذ بداياته مع نضالها لتحرير فلسطين، كل تراب فلسطين. نعم، فلسطين تبقى الأساس في فكرهم النضالي ولم تغب أو تُغيّب يوماً من مسيرتهم النضالية. فكلٌّ منهم ناضل لتحرير فلسطين بأسلوبه ووفق قدراته.
عقد اللقاء اليساري العربي العاشر في بيروت لسببين، الأول يتعلق بذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، والثاني بمناسبة الذكرى المئوية للحزب الشيوعي اللبناني والحزب الشيوعي السوري الموحد.
(جمول) هي الحركة النضالية التحررية التي أطلقها الحزب الشيوعي اللبناني ضد المحتل الصهيوني عندما اجتاح بيروت عام 1982. جبهة لم تهادن ولم تساوم ولم تخضع لقرارات دولية، بل خضعت لفكرها، فكر حزبها الشيوعي، ودحرت العدو الصهيوني وطردته من معظم أرض لبنان محقّقة بهذا أول انتصار عربي، وأممي أيضاً، ضد جيش إمبريال ي، اسمه (جيش الدفاع الاسرائيلي)، شاع عنه أنه لا يُهزم. هزمه مناضلو جمول بأسلحتهم الخفيفة وألحقوا به هزيمة نكراء، هزيمة حطمت صورته الوهمية وأظهرت صورته الحقيقية، وهي أنه جيش مرتزق قائم على دعم القوى الإمبريال ية، وأتباعها، وخيانة الأنظمة العربية.
من جمول بيروت إلى المقاومة الفلسطينية، الوضع لم يتغير. جمول قاومت مستقلة بقرارها التحرري، والمقاومة الفلسطينية كذلك. جمول لم يدعهما سوى فكرها التحرري المطبّق بنضالات أبطالها، وكذلك اليوم الفلسطينية. وكل متتبع لمجريات أحداث عام 1982 يمكنه أن يلحظ ومن دون أي عناء التشابه في مجريات الأحداث اليوم في فلسطين، مع فارق قد يكون وحيداً ويتمثل بموازين القوى العالمية بين اليوم والأمس.
وصلت قوات الاحتلال الصهيوني إلى بيروت، حاصرتها بدعم من قوى لبنانية خائنة على الأرض، وطلبت القوى الخائنة من الجيش الصهيوني قطع الماء والكهرباء عن بيروت، وتحديداً ما كان يُعرف حينذاك ببيروت الغربية، فلبى جيش الاحتلال مطالب القوى اللبنانية الخائنة. جرى حصار بيروت كي تموت عطشاً وتستسلم. رفضت بيروت الاستسلام، وكانت جمول بالمرصاد لجيش الاحتلال والقوى الخائنة. أكيد رافق الحصار قصفٌ عنيف، مثلاً في أحد أيام الحصار قُصفت بيروت لمدة 15 ساعة متواصلة، من قبل جيش الاحتلال.
كل هذا يحدث والعالم برمته، آنذاك، يشاهد مجازر الاحتلال بحق بيروت وسكانها، وكأنه لم يشاهد شيئاً. ثم كانت مذبحة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبتها قوى لبنانية خائنة، ومعروفة بالأسماء، تحت حماية جيش الاحتلال ومشاركته. كذلك شهدها العالم، وكأنه لم يشاهد شيئاً. صمت العالم، ليس من هول ما رأى، بل صمت داعم للكيان الصهيوني باستكمال مجازره بحق بيروت ومقاوميها. دول الخليج (العربي) تدفع للكيان الصهيوني ثمن أسلحته الأمريكية الصنع، وأمريكا تزوده بما لا يدفع ثمنه، وبقية العالم تدعمه كل وفق لقدراته. حدث كل هذا ولم نسمع صوت تظاهرة عربية واحدة ضد ما يرتكبه الكيان الصهيوني من مجازر بحق بيروت.
على الرغم من كل الخيانات والدعم العالمي للكيان الصهيوني صمدت جمول وانتصرت.
وها هي ذي القصة تتكرر اليوم في فلسطين.
كل ما علينا فعله هو استبدال كلمة بيروت بكلمة فلسطين، لتعاد الرواية هي هي.
في هذه العاصمة التي أطلقت جمول وهزمت جيش الكيان الصهيوني والإمبريال ية العالمية وأجبرته على الانسحاب من دون قيد أو شرط، اجتمعت الأحزاب اليسارية العربية لتقول ما زالت فلسطين بوصلة النضال. فبيروت جمول نضالات من أجل كل الشعوب العربية ضد عدو لا يعترف بأحد وعلناً يريد توسيع حدوده وإبادة الشعوب العربية، أو يحولها إلى عبيد له، وها هي ذي اليوم فلسطين تقاوم نيابة عن كل الشعوب العربية ضد العدو نفسه.
اجتمعت الأحزاب اليسارية العربية لتقول كلمتها المقاومة، كما عهدناها، ولتحاول تفعيل مقاومتها وتستكمل دعمها لكل مقاوم لهذا الكيان الصهيوني أينما وُجد هذا المقاوم.
وهذا بعض مما جاء في كلمات الأحزاب الشيوعية العربية في لقائها في بيروت، من دون ترتيب من تحدث أولاً ومن تلاه:
سمير دياب (المنسق العام للّقاء اليساري العربي): (التقينا بالأمس القريب، نلتقي اليوم في لبنان المقاومة والصمود… قاومنا، وسنبقى نقاوم ضد المحتل الصهيوني، وضد المشروع الإمبريال ي الأمريكي والأطلسي والرجعي العربي من أجل حقنا في التحرر الوطني والطبقي، وفي المقدمة تحرير فلسطين كل فلسطين.
هذا هو محور اللقاء اليساري العربي العاشر، الذي ينعقد تحت شعار (لتعزيز دور اليسار العربي في مواجهة العدوان الإمبريال ي – الصهيوني المستمر على فلسطين ولبنان والمنطقة). هذه قضيتنا المركزية، ومنطلقاتنا وخياراتنا ومهماتنا…
… يتعمق أكثر مأزق العدو.. على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية، لذا يلجأ إلى رفع مستوى القتل وارتكاب المجازر…
ومع احتلال القضية الفلسطينية مقدمة القضايا الدولية، يتكشف أكثر فأكثر تواطؤ الرجعية العربية وأنظمة التطبيع، والانحدار إلى مستويات غير مسبوقة من الانبطاح والذل والعار والخيانة.
أمام هذه المتغيرات المصيرية، لا بد لنا كيسار عربي، أن نعيد لمشروعنا الوطني التحرري.. قوته وفق منطلقاته الأساسية في:
- تفعيل المواجهة ضد المشروع الإمبريال ي الاستعماري الجديد والاحتلال الصهيوني عبر (جبهة مقاومة وطنية عربية شاملة).
- رفض كل أشكال التطبيع والعلاقات مع المحتل الصهيوني ومقاومته بكل الوسائل المتاحة.
- النضال للتخلص من التبعية ووضع برنامج للنهوض الاقتصادي والاجتماعي على أسس وطنية منتجة.
- الوحدة الداخلية الفلسطينية أكثر من ضرورة… ولا بد من تطبيق ما تم الاتفاق عليه في إعلان بكين.
- الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية…
الوضع في غزة والضفة الغربية وفلسطين المحتلة وفي لبنان والمنطقة دقيق وخطير جداً. فإما أن يكون اليسار العربي موحداً ومؤثراً في المواجهة والمقاومة، وإما إن يبقى بعيداً عن حركة الفعل والتأثير. وهذا هو التحدي في الخيار والمهامّ والفعل).
فادي بنعدي (عضو قيادة في فيدرالية اليسار الديمقراطي في المغرب): (إن التكالب الاستعماري الرأسمالي الإمبريالي الصهيوني الإقطاعي والرجعي العربي من أجل مصالحهم على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة لا يمكن مواجهته إلا ببناء أوسع جبهة أممية مضادة من الجماهير والشعوب التواقة للحرية والكرامة والسلام… واعتبارها من المهام الاستراتيجية الملقاة على عاتق اليسار العربي).
محمد أحمد علي المخلافي (نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني): (نرى في الحزب الاشتراكي اليمني أن يكرس هذا الاجتماع بأوراقه ونتائجه للقضية الفلسطينية فقط بعيداً عن الإشارات السطحية لمعاناة بلدان عربية أخرى… وتخصيص الاجتماع للقضية الفلسطينية ليس بسبب ما يجري اليوم على أرض فلسطين الحبيبة من إبادة جماعية في غزة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الضفة والقدس فحسب، بل ولأن أحزاب اليسار العربي ودون استثناء تدعم بالمطلق القضية الفلسطينية وتعتبرها قضية العرب المركزية…).
أيوب غراب (حزب الشعب الفلسطيني- مسؤول إقليم لبنان): (… ما يحصل اليوم في أرض الضفة… ليس مفصولاً عن ما يقوم به الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة… (فهو) يأتي ضمن مشروع العدو الصهيوني التصفوي، للقضاء على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس). مضيفاً: (إن غياب الإرادة السياسية العربية والدولية والدعم غير المحدود الذي تقدمه له الولايات المتحدة الأمريكية… شجع الاحتلال الصهيوني على مواصلة عدوانه على الشعب الفلسطيني…) مؤكداً: (إن انجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية، مهمة وطنية مباشرة أمام قوى اليسار الفلسطيني، ولها الأولوية إلى جانب مهمة تشكيل تيار ثالث وازن في الساحة الفلسطينية، يأخذ على عاتقه حماية وصون المكتسبات الكفاحية والوطنية… وحماية المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس). مضيفاً: (ما يهمنا اليوم في حزب الشعب الفلسطيني بشكل مباشر هو دور القوى والأحزاب اليسارية العربية وكيفية بلورة خطة عمل ومهام مشتركة ليس فقط للتصدي للعدوان الصهيوني الأمريكي على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة فحسب، بل أيضاً من أجل تعزيز دورها في مناصرة شعبنا الفلسطيني ودعم مسيرة نضاله…).
علي فيصل (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، النائب العام): (… الخطة هذه لم تبدأ في السابع من أكتوبر ولا بذريعتها، كما تردد أبواق الانهزاميين… بل هي كانت قيد التنفيذ… منذ أن أعلن (قانون القومية) (الشعب اليهودي) صاحب الحق الحصري في تقرير المصير في جميع أنحاء (أرض إسرائيل) التي أخذت حيزها التنفيذي منذ أن أعلنت إدارة ترامب اعتراف واشنطن بضم إسرائيل للقدس والجولان وبحقها المزعوم في ضم الأغوار وفرض السيطرة الأمنية الدائمة غلى الضفة الغربية بكاملها… جاء السابع من أكتوبر ليقطع الطريق على هذا المسار المشؤوم على بناء شرق أوسط جديد…) مضيفاً: (علينا أن نعي بحذر أن توازن القوى الجديد ما زال في طور التشكل بعملية قلقة ومفتوحة على أكثر من احتمال. والأمر يتوقف على مدى ما نبذله من جهد، فلسطينياً وعربياً ودولياً، لدفع هذه العملية نحو الاكتمال… الذي يضمن نهاية الاحتلال. وعلى اليسار أن يلقي بكامل ثقله في قلب هذه العملية…).
علاء عرفات (حزب الإرادة الشعبية، أمين الحزب): (إن القوى المقاومة في منطقتنا، وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية تمارس قسماً هاماً من الدور الوظيفي لليسار في منطقتنا، ما يقتضي من قوى اليسار دعمها…).
حنا غريب (الحزب الشيوعي اللبناني، الأمين العام): (في لقائه الأخير مع نتنياهو، قال ترامب: (إن مساحة إسرائيل صغيرة جداً)… هذا التصريح يبقى مفيداً للرد على الذين لا يزالون يبيعون وهم الحياد لشعبهم… فالمعركة لم تكن يوماً على الشعب الفلسطيني وحده، بل كانت ولا تزال على شعوبنا العربية كافة، وعلى المنطقة بأكملها… بدأها العدو في حربه الإجرامية في غزة واليوم في الضفة وغداً في لبنان وسورية والعراق والأردن ومصر، فخريطة الشرق الأوسط الجديد التي رفعها نتنياهو شاهدة على سمات المرحلة التي تمر بها منطقتنا العربية التي تدفع شعوبها أثماناً باهظة… عدوان إمبريالي – صهيوني من الخارج، ورأسماليات محلية تابعة لها ومطبعة من الداخل.
نحن نعيش حرباً عالمية ثالثة متنقلة من بلد إلى آخر يجمعها شيء واحد: بلوغ أزمة الرأسمالية ذروة تفاقمها… تستوجب من الدول والقوى التواقة لكسر الهيمنة الأمريكية على العالم، ومنها بطبيعة الحال قوى اليسار العربي الإفادة من ذلك وتوحيد وتعزيز دورها لتعديل موازين القوى ووقف العدوان على الشعب الفلسطيني.
فما عسانا فاعلون كيسار عربي كي لا تتكرر نتيجة هذه الحرب العالمية الثالثة كما سبقها في الحربين الأولى والثانية؟ فتعالوا نبني أولاً على أزمات الرأسمالية العالمية وأزمة الكيان الصهيوني، ونأخذ العبر من كل ما سبق من معارك مع هذا العدو منذ مئة عام…
فمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني التقسيمي على أساس طائفي ومذهبي واثني لشعوب منطقتنا تستوجب إطلاق مشروع سياسي نقيض له… مشروع يستمد قوته من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولشعوبنا العربية كافة…
إنه مشروع تجديد حركة التحرر الوطني العربية بقيادة جذرية جديدة، تولد من رحم مقاومة عربية شاملة تتوحد فيها الجهود حول أولويتين متلازمتين: أولوية اعتبار القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية… وأولوية مواجهة نظم التبعية والتطبيع والقمع والاستبداد السياسي والاستغلال الاجتماعي… تلك هي الحلقة المركزية لتعزيز دور اليسار العربي…).
ياسر السالم (الحزب الشيوعي العراقي، عضو قيادة): (إننا ندعو قوى لقاء اليسار في البلدان العربية وكل القوى المحبة للحرية والسلام في العالم إلى تصعيد نضالها لمواجهة الاحتلال الصهيوني… هذا (اللقاء) فرصة أمام أحزاب اليسار العربي لإعادة تجميع قواها على أساس برنامج نضالي مشترك لمواجهة مشاريع العدوان والاحتلال، ومن أجل التغيير الديمقراطي وتحقيق السلام الدائم).
فاضل الحلبي (المنتدى التقدمي البحريني، نائب الأمين العام): (… تعيش المنطقة في أسوأ الأوضاع حيث تتكالب عليها القوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية… وما زالت الإبادة الجماعية في غزة مستمرة من قبل الكيان الصهيوني وبدعم واضح من الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الغربيين وبصمت وتخاذل النظام الرسمي العربي، والشعوب العربية والإسلامية، تعلن عن التضامن مع الشعب الفلسطيني حسب المتاح والمسموح القيام به…
ففي بلادنا البحرين ما تزال مستمرة المسيرات والتظاهرات والاعتصامات التضامنية مع الشعب الفلسطيني… كل أطياف شعبنا ضد التطبيع مع العدو الصهيوني، وتطالب الحكومة بإلغاء الاتفاقية الموقعة مع الكيان الصهيوني وطرد السفير الصهيوني من بلادنا وإغلاق السفارة الصهيونية في المنامة، وإنهاء الوجود العسكري الأمريكي من بلادنا، مقاطعة الشركات والصناعات الأمريكية والبريطانية والاوربية الداعمة للكيان الصهيوني. تتردد هذه المطالب الشعبية في المسيرات والتظاهرات…).
وفي الختام لا بد أن نؤكد أن فلسطين تبقى القضية المركزية لدى الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية.