عندما تكون الخدمة بهدف الجباية فقط.. يجب إلغاؤها!

وحيد سيريس:

للجباية الحكومية أنواعٌ متعددة.. والهدف الأساسي لمبدأ الجباية هو دعم خزينة الدولة، التي يُفترض أن تُرَدّ للمواطن عن طريق تحسين مستوى حياته ورفع نوعية الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة عموماً للشعب؛ وعندما تأتي الجباية من قطاع خدمي وظيفته الأساسية خدمة المواطنين وتحسين البنية التحتية لتيسير حركتهم في شوارع المدينة او شوارع الأحياء التي يقطنون فيها، أو مكان عملهم ورزقهم، سواءٌ كانوا من المشاة او الذين يملكون سيارات، مثل تزفيت الشوارع وترميم الأرصفة، وحمايتها من التعدّي عليها، وإقامة جسور مشاة أو جسور لعبور السيارات واختصار المسافات وتخفيف الازدحام …إلخ، عندئذٍ تصبح الجباية مقبولة و(مهضومة) لدى المواطنين عموماً، لأنهم يلمسون مردودها عليهم، ولن يتذمروا منها في حال كانت الجباية تتناسب مع الدخل، وتؤدي دورها في المردود المفترض.

 

صغيرة.. وتضخّمت

وعندما ابتدعت مجالس المدينة جبايةً لم تكن موجودة قبل الأزمة، وهي الجباية مقابل رَكْن السيارات في الشوارع العامة، وسلّمتها وفق عقود لشركة خاصة أصبحت تُعرف بشركة (صفّة)، فإن الرسم كان في البداية معقولاً ومقبولاً: ٥٠٠ ليرة سورية لكل ساعة، وكانت أماكن الصفة محدودة العدد وتتركز في بعض الشوارع الرئيسية المجاورة للأسواق المزدحمة، والتي يندر فيها السكن.

ومع الوقت امتدت مواقف (صفة) وصارت تشمل شوارع رئيسية في أماكن سكنية.. ثم امتدت أكثر وصارت تحدّد مواقف (صفّة) في شوارع فرعية مليئة بالسكن، ورُفع سعر ساعة الركن للسيارة إلى (١٥٠٠) ليرة سورية، وهنا أنا أتحدث عن مدينة حلب، وهذا السعر هو الأعلى مقارنةً بباقي المحافظات السورية، وهو أعلى حتى من سعر ما يماثله في العاصمة دمشق!

 

تجاوز فريد من نوعه

في مدينة حلب، وهي محور مقالتنا هذه، يتحدث بعض المواطنين في هذه الفترة، وكذلك بعض الإعلام الخاص، عن فضيحة فساد وتجاوز فريد من نوعه، وهو أن موظفي شركة (صفة) صاروا يعملون عمل شرطة المرور (كسلطة شرعية للمخالفات)، وهي مخالفة السيارات التي تقف (رتل ثاني) في أماكن محجوزة لشركة (صفة)، بحيث تسحب من رصيد صاحب السيارة قيمة المخالفة لحساب شركة (صفة)، وإذا لم يكن عند صاحب السيارة المخالفة رصيد يقومون بـ (كلبشة) دولاب السيارة (يعني احتجازها في مكان وقوفها) حتى يدفع!

 

شرطة المرور لم تكن تعرف

لدى سؤال شرطة المرور من قبل جهة إعلامية حول هذا التجاوز لشركة (صفة) وتعدّيها على صلاحيات شرطة المرور في هذا الشأن، استنكر ضابط مسؤول في المرور هذا التصرف، وأكد عدم علم شرطة المرور بهذه التجاوزات وأنها مرفوضة تماماً، ووعد بأنه سيجري بحث الموضوع مع مجلس المدينة الذي من صلاحيته مراجعة شركة (صفة) المتعاقد معها لوقف تلك التجاوزات.

 

الفساد لا يحبّ الضوء

وفيما يتعلق بالحديث عن العقد المبرم بين مجلس مدينة حلب وشركة (صفة) الذي أبرم منذ عدة سنوات، فإن عدة جهات إعلامية حاولت الحصول على صورة عن هذا العقد من مجلس المدينة ورُفض طلبهم (وكأن هذا العقد يحوي أسرار دولة!)، مما يؤكد وجود شبهة فساد، لكيلا تجري مقارنة بين بنود العقد مع طريقة تنفيذه، وكي لا تنكشف المعايير الهشّة في بنوده، التي تسمح بزيادة حجم الجباية فيه، وزيادة دائرة الشوارع التي تحجز لشركة (صفة) وتوسيعها. هذا أحد الأمثلة للشراكة غير النظيفة بين البورجوازية الطفيلية والبورجوازية البيروقراطية، هذه الشراكة المبنية أساساً على الفساد.

 

أعيدوا الحقّ لأصحابه!

يجب إلغاء هذه البدعة نهائياً، أي إلغاء مشروع جباية (صفة)، لتعود الأمور كما كانت قبل الأزمة: مواقف تُحجز سنوياً أمام منزل صاحب السيارة أو أمام محلّه.. وحتى يعود ريع تلك المواقف لمجلس المدينة دون شريك. أو يبني المجلس كراجات طابقية أو تحت الأرض، مأجورة بالساعة أو باليوم، لمن يرغب ولديه القدرة من أصحاب السيارات.

وكفاكم أيها المسؤولون! توقفوا عن ابتداع مشاريع جباية تستنزف المواطن النازف أصلاً على حساب الخدمة التي هي واجب دستوري لكل مؤسسات الدولة.. اتجاه مواطنيها.

العدد 1140 - 22/01/2025