الإنترنت في سورية إلى الأسوأ.. فهل من مبادرة لتحسين جودته؟!
سليمان أمين:
يعاني قطاع الاتصالات والإنترنت في سورية تدهوراً حاداً منذ سنوات طويلة. هذا التدهور لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكم العديد من العوامل المتداخلة، والتي أدت إلى تراجع كبير في جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وقد بات الوضع كارثياً أكثر، فقد باتت جودة الأنترنت سيئة جداً، وقد وصلت إلى حد انعدام سرعة البوابات في كثير من المناطق من دون أي نية لصيانة الكابلات الأرضية وتحسين الكابينات وغيرها الكثير من الأمور الأخرى، بل ذهبت المؤسسة العامة للاتصالات إلى رفع أسعار خدماتها بنسبة 35% مع بداية شهر أيلول (سبتمبر) 2024، ولكن رفع التسعيرة لم يحسّن من جودة الإنترنت بتاتاً، بل زاد الوضع سوءاً وتراجعاً في الخدمة. ووفق معلوماتنا فإنه ممنوع لأي مديرية في المدن السورية إجراء أي صيانة أو إصلاح للخطوط الأرضية وغيرها إلا بموافقة الإدارة العامة للاتصالات في دمشق.
وتتمثل أبرز المشاكل التي يعاني منها قطاع الإنترنت في:
- بطء السرعات: تعاني سورية من أدنى معدلات سرعة إنترنت مقارنة بدول الجوار، مما يحد من قدرة المواطنين على الاستفادة من الخدمات الرقمية.
- انقطاع الخدمة المتكرر: يتعرض المستخدمون لانقطاع متكرر في خدمة الإنترنت، سواء كان ذلك بسبب أضرار في البنية التحتية أو بسبب نقص الطاقة الكهربائية.
- ارتفاع الأسعار: على الرغم من ضعف الجودة، إلا أن أسعار خدمات الإنترنت في سورية تعتبر مرتفعة مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
- تدني جودة البنية التحتية بسبب إهمالها لسنوات في عدد من المناطق لعدم توفر قطع الصيانة، إضافة إلى تعرض البنية التحتية للاتصالات لأضرار كبيرة في كثير من المناطق بسبب الحرب، مما أدى إلى تدهور في جودة الخدمات المقدمة.
ولهذه المشكلات آثار سلبية عميقة على حياة المواطنين السوريين، فهي تحدّ من قدرتهم على:
التعلّم عن بعد: يواجه الطلاب صعوبات كبيرة في متابعة دراستهم عن بعد بسبب ضعف الإنترنت.
العمل عن بعد: يجعل ضعف الإنترنت من الصعب على الكثيرين العمل عن بعد أو الوصول إلى فرص عمل تتطلب استخدام الإنترنت.
التواصل مع العالم الخارجي: يحد من قدرة السوريين على التواصل مع أصدقائهم وعائلاتهم في الخارج، والحصول على الأخبار والمعلومات من مصادر مختلفة.
تطوير الأعمال: يعيق نمو الشركات والأعمال التي تعتمد على الإنترنت في تسويق منتجاتها وخدماتها.
أسباب سوء خدمة شبكات الإنترنت في سورية متعددة ومعقدة، وتشمل:
أدت الحرب الدائرة في سورية إلى تدمير جزء من البنية التحتية للاتصالات، وبضمن ذلك الكابلات والمحطات.
الاعتماد على تقنيات قديمة، إذ تستخدم شبكات الإنترنت في سورية تقنيات قديمة، وهذا أثّر على سرعتها وكفاءتها.
نقص الاستثمار، فلم يتم الاستثمار بشكل كافٍ في تطوير قطاع الاتصالات، وهذا أدى إلى تدهور الخدمات.
التقنين الكهربائي: فقد أدى انقطاع التيار الكهربائي المتكرر إلى انقطاع خدمة الإنترنت، خاصة في المناطق التي تعتمد على الكهرباء المولدة.
الرقابة الحكومية: فقد تلجأ الحكومة إلى تقليل سرعة الإنترنت أو حجب بعض المواقع، مما يؤثر على جودة الخدمة.
الطلب المتزايد: فقد ازداد الطلب على خدمات الإنترنت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مما يضع ضغطاً على البنية التحتية القائمة.
تحسين خدمة الإنترنت في سورية أمر حيوي لتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات والمعرفة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
مقترحات لمعالجة واقع الإنترنت في سورية
تواجه سورية تحديات كبيرة في قطاع الاتصالات والإنترنت، وتتطلب معالجتها خططاً شاملة وطويلة الأمد. وهذه بعض المقترحات التي يمكن أن تساهم في تحسين الوضع:
على المستوى الحكومي:
الاستثمار في البنية التحتية: إعادة تأهيل وتوسيع شبكات الكابلات والألياف الضوئية المتضررة بسبب الحرب. إضافة إلى بناء محطات جديدة لتوزيع الإنترنت وزيادة سعتها، والعمل على توفير الكهرباء المستقرة لتشغيل المعدات.
تشجيع المنافسة: السماح بدخول مزودي خدمات إنترنت جدد للسوق لزيادة الخيارات وتقليل الأسعار. وإلغاء القيود على المحتوى وتسهيل حصول المواطنين على المعلومات.
تطوير الكوادر: تدريب الكوادر الفنية على أحدث التقنيات في مجال الاتصالات. إضافة إلى بناء قدرات المؤسسات الحكومية على إدارة قطاع الاتصالات بكفاءة.
تفعيل الشراكات الدولية: التعاون مع المنظمات الدولية والحكومات الصديقة للحصول على الدعم المالي والتقني. والاستفادة من الخبرات الدولية في مجال تطوير قطاع الاتصالات.
على المستوى الفني:
إعادة صيانة البنية التحتية للشبكات وذلك بإعادة صيانة الكابلات الأرضية وإبعادها عن الشبكة الكهربائية وصيانة الكابلات الهوائية وعلب خطوط الخدمة والكبين.
اعتماد التقنيات الحديثة: استخدام تقنيات الجيل الخامس (G5) لتوفير سرعات إنترنت عالية. والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الشبكات.
تطوير تطبيقات محلية: تشجيع المطورين على تطوير تطبيقات تناسب احتياجات المستخدمين السوريين. والعمل على توفير خدمات إنترنت متنقلة واسعة النطاق، وزيادة انتشار أبراج الإرسال لتغطية المناطق النائية.
على المستوى المجتمعي:
رفع مستوى الوعي: تنظيم حملات توعية بأهمية الإنترنت واستخداماته. وتدريب الشباب على مهارات استخدام الحاسوب والإنترنت.
بناء المحتوى المحلي: تشجيع إنتاج المحتوى العربي السوري على الإنترنت. ودعم المنصات الإعلامية المحلية.
التحديات التي تواجه تنفيذ هذه المقترحات:
الأزمة الاقتصادية: تؤثر الأزمة الاقتصادية في سورية بشكل كبير على القدرة على الاستثمار في قطاع الاتصالات.
الرقابة الحكومية: قد تفرض الحكومة قيوداً على حرية الإنترنت وتعيق جهود التطوير.
ختاماً
إن تحسين واقع الإنترنت في سورية يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومة والشركات الخاصة والمجتمع المدني. يجب أن يكون الهدف هو توفير إنترنت عالي الجودة وسريع ورخيص لجميع السوريين، مما يساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.