اقتصاد التضامن الاجتماعي وتطبيقه في سورية في ظل اقتصاد السوق الحرة
سليمان أمين:
تطبيق اقتصاد التضامن الاجتماعي في سورية يمكن أن يكون خياراً واعداً للمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد والمجتمع، بعد سنوات من الصراع. لتحقيق ذلك، يمكن النظر في عدد من العوامل والمبادرات التي قد تسهم في نجاح هذا النموذج:
- التعاونيات الزراعية: يمكن إنشاء تعاونيات زراعية لتجمع الموارد والخبرات بين المزارعين الصغار، مما يساعد في تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف وزيادة الدخل.
- المؤسسات الاجتماعية: يمكن دعم المؤسسات التي تقدم خدمات اجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية والتدريب المهني، مما يعزز فرص العمل ويحسن مستوى المعيشة.
- التمويل المتناهي الصغر: إنشاء برامج تمويل متناهي الصغر يمكن أن يساعد في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يساهم في خلق فرص عمل وتحسين الاقتصاد المحلي.
- التعليم والتوعية: تعزيز الوعي والتعليم حول مبادئ اقتصاد التضامن الاجتماعي يمكن أن يساعد في تغيير الثقافة المجتمعية نحو مزيد من التعاون والتضامن.
- الدعم الحكومي: من الضروري أن تقدم الحكومة الدعم اللازم من خلال سياسات تشجع على إنشاء التعاونيات والمؤسسات الاجتماعية وتقديم الحوافز والتسهيلات اللازمة.
- الشراكات الدولية: الاستفادة من الدعم الدولي والمشورة الفنية من الدول والمنظمات التي لديها خبرة في مجال اقتصاد التضامن الاجتماعي يمكن أن تكون مفيدة في نقل المعرفة وتطبيق أفضل الممارسات.
- تطوير البنية التحتية: تحسين البنية التحتية اللازمة لدعم المشاريع التعاونية والاجتماعية مثل الطرق، والمياه، والكهرباء، والتكنولوجيا.
- التركيز على الفئات المهمشة: يمكن لاقتصاد التضامن الاجتماعي أن يركز على دعم الفئات الأكثر تضرراً من الصراع، مثل النساء، والشباب، والعائدين إلى ديارهم، مما يعزز من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
تطبيق اقتصاد التضامن الاجتماعي في سورية يتطلب جهداً جماعياً وتخطيطاً طويل الأمد، لكن يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير في إعادة بناء المجتمع والاقتصاد بشكل أكثر عدلاً واستدامة.
بين اقتصاد التضامن الاجتماعي واقتصاد السوق الحرة
اقتصاد التضامن الاجتماعي يمكن أن يتعايش ويتكامل مع اقتصاد السوق الحرة بطرق متعددة، على الرغم من التحديات التي قد تنشأ نتيجة للاختلافات في المبادئ والأهداف الأساسية لكل منهما. هنا بعض الجوانب التي يمكن من خلالها تحقيق هذا التكامل:
- التكامل بين الأهداف الاجتماعية والاقتصادية: يمكن لاقتصاد التضامن الاجتماعي أن يساهم في معالجة بعض القصور في اقتصاد السوق الحرة، مثل الفقر وعدم المساواة، من خلال المبادرات التي تركز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
- تشجيع الابتكار الاجتماعي: يمكن أن يعمل اقتصاد التضامن الاجتماعي كمختبر للابتكار الاجتماعي، حيث تجري تجربة حلول جديدة لمشاكل اجتماعية واقتصادية معقدة، ويمكن دمج هذه الحلول في نطاق أوسع ضمن اقتصاد السوق الحرة.
- تعزيز التنافسية العادلة: التعاونيات والمؤسسات الاجتماعية يمكن أن تقدم نماذج أعمال تركز على القيمة الاجتماعية والبيئية، مما يدفع الشركات التقليدية في اقتصاد السوق الحرة لتحسين ممارساتها والالتزام بمعايير أعلى من المسؤولية الاجتماعية.
- الشراكات بين القطاعين: يمكن أن يجري تأسيس شراكات بين القطاع الخاص والمؤسسات التعاونية والاجتماعية، إذ يمكن للشركات في اقتصاد السوق الحرة دعم مبادرات التضامن الاجتماعي من خلال التمويل، التبرعات، أو برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات.
- سياسات داعمة: يمكن للحكومات وضع سياسات تشجع على التعاون بين اقتصاد التضامن الاجتماعي واقتصاد السوق الحرة، مثل الحوافز الضريبية للمؤسسات الاجتماعية، القروض الميسرة، أو تسهيلات أخرى للمشاريع التي تحقق أهدافاً اجتماعية.
- التعليم والتوعية: نشر الوعي حول أهمية اقتصاد التضامن الاجتماعي وكيفية التكامل بينه وبين اقتصاد السوق الحرة من خلال برامج تعليمية وتدريبية يمكن أن يساعد في تغيير الثقافة التجارية وتحفيز المزيد من المشاريع المشتركة.
- دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: غالباً ما تكون المؤسسات التعاونية والمشاريع الاجتماعية صغيرة الحجم، لذا يمكن تقديم الدعم الفني والمالي لهذه المؤسسات لتعزيز قدرتها على المنافسة في سوق حرة.
- التركيز على الاستدامة: يمكن أن تساهم مبادئ الاستدامة في اقتصاد التضامن الاجتماعي في تعزيز الممارسات المستدامة في الشركات التي تعمل ضمن اقتصاد السوق الحرة، مما يؤدي إلى فوائد بيئية واجتماعية طويلة الأمد.
باختصار، اقتصاد التضامن الاجتماعي يمكن أن يوفر إطاراً لتعزيز الأهداف الاجتماعية والاقتصادية المستدامة داخل نظام اقتصاد السوق الحرة، مما يؤدي إلى بيئة اقتصادية أكثر شمولية وعدالة.
اقتصاد التضامن الاجتماعي ليس محصوراً في دولة واحدة أو مجموعة معينة من الدول، بل هو نموذج يجري تطبيقه في مختلف أنحاء العالم بطرق متنوعة.
وهذه أمثلة عن بعض الدول التي لديها تجارب بارزة في تطبيق اقتصاد التضامن الاجتماعي:
- فرنسا: تُعد فرنسا واحدة من الرواد في مجال اقتصاد التضامن الاجتماعي، إذ توجد العديد من المؤسسات التعاونية والمشاريع الاجتماعية. الحكومة الفرنسية تدعم هذا النوع من الاقتصاد من خلال سياسات وبرامج تمويل مخصصة.
- إسبانيا: إسبانيا لديها تجربة قوية مع التعاونيات، خاصة في إقليم الباسك حيث تُعتبر مجموعة (Mondragon Corporation) واحدة من أكبر وأهم التعاونيات في العالم، وتوفر العديد من الوظائف وتعزز التنمية الاقتصادية المحلية.
- إيطاليا: إيطاليا تمتلك تاريخاً طويلاً في مجال التعاونيات الاجتماعية، خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية. الحكومة الإيطالية توفر دعماً وتشجيعاً لهذا النوع من الاقتصاد.
- الأرجنتين: بعد الأزمة الاقتصادية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، ازدهرت التعاونيات والمؤسسات الاجتماعية في الأرجنتين كمحاولة للتعامل مع البطالة والفقر.
- الهند: الهند لديها مجموعة من المشاريع التعاونية والتمويل المتناهي الصغر التي تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة في المناطق الريفية وتقليل الفقر.
- جنوب إفريقيا: تعمل العديد من التعاونيات والمؤسسات الاجتماعية في جنوب إفريقيا على تعزيز التنمية الاقتصادية والمساواة في المجتمع، خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية.
تجارب هذه الدول تعكس كيفية تبنّي مبادئ اقتصاد التضامن الاجتماعي وتنفيذها بطرق متنوعة تتناسب مع الظروف المحلية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل دولة.