مناظرة تاريخية بين بايدن وترامب .. فمن كان الأسوأ؟

د. نهلة الخطيب:

لأول مرة تجري مناظرة رئاسية بين رئيسيين أمريكيين حالي وسابق جو بايدن و دونالد ترامب، بنسبة مشاهدة هي الأقل منذ 48 عاماً، وهذا مؤشر على ضعف حماس الناخبين لكلا الطرفين، المناظرة كانت باهتة بعض الشيء، وحصاد للسنوات التي قضاها كل منهما في الحكم، وتبادل الاتهامات في الفشل، كل منهما يعتبر نفسه الأفضل والأخر هو الأسوأ، لم يتطرق أي منهم عن المستقبل فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية سواء الداخلية أو الخارجية، وما خطته ورؤيته في القضايا المهمة، فمن كان أكثر سوءاً، ومن كان أكثر وعياً؟

لم يحظَ بايدن بليلة رائعة في المناظرة التاريخية بينه وبين منافسه، كان أداؤه مترنحاً وغير متماسك، ومنذ الدقائق الأولى بدا متردداً ومتعثراً، غالبية الأمريكيين تعيش صدمة الظهور الضعيف له، بحيث يمكن تلخيص عنوانها تحت عبارة واحدة: (لا تترشح)، وأضعف من أن تكون رئيساً فعالاً للولايات المتحدة الأمريكية، و56% من الديمقراطيين يرغبون باستبداله بعد مناظرته تلك، قد يتسبب في خسارتهم 20 مقعداً في مجلس النواب، فكانت هذه الليلة نهاية بايدن، وفي ظل التكهنات الكثيرة حول عمر الرئيس وقدراته الذهنية والصحية، والمطالبات بأن يسلم دفة الترشح عن الديمقراطيين لأي شخص مناسب طبقاً لرؤية الحزب الديمقراطي، وأمام هذه التطورات يبدو أن الأيام القليلة المقبلة حاسمة بالنسبة لبايدن: إما الاستمرار أو الاعتزال، فهل سيتنحى بايدن عن السباق الانتخابي، أم سيعزله الحزب، أو سيخوض الانتخابات؟

المناظرة أكدت المؤكد أن بايدن يعاني من ضعف ذهني كبير وهو غير كفؤ، ويجب ألّا يكون مرشحاً، بل ويجب أن يغادر البيت الأبيض اليوم، واستبدال هذا الرجل الخرف بنائبته كاميلا هارس، ولكن هؤلاء عنصريون رغم ديمقراطيتهم لا يفضلون أن يكون هناك امرأة وسوداء!!! أخفق بايدن في استغلال الوقت المتاح له في استعراض سجله خلال سنوات حكمه السابقة، وكانت من أبرز القضايا التي يمكنه أن يحقق فيها نصراً سياسياً خلال المناظرة خصوصاً فيما يتعلق بحق الإجهاض وخلق الوظائف والاقتصاد، فكان الكثير من زلات لسان والتلعثم، والكثير من الأكاذيب التي تبادلها المرشحان، ربما كان نصيب بايدن الأكبر في كم الأكاذيب التي تم كشفها، وكانت له بعض التصريحات التي لم تكن صحيحة حول تأييد حرس الحدود وما يتعلق بالموازنة والاقتصاد، وفرض الضرائب.

ترامب، رغم الابتذال وسوء الأخلاق، والخلل الذي ميز ولايته الأولى، بدا نشطاً وأكثر حيوية وكان قادراً على الفوز في المناظرة والمحافظة على ثباته وهدوئه، واتسم بحسن الاستماع وضبط نفسه عن الانفعال والمقاطعة، وعدم الانسياق وراء بايدن لإثارته واتهامه بالكذب، وأنه أحمق ومجرم مدان.

جورج كونواي يصف ترامب، بأنه (شخصية نرجسية ولن يسمح لأي شخص آخر بالفوز بالانتخابات)، فكان متفاخراً بما قام به خلال ولايته وكان متمكناً من استغلال الوقت المتاح له وصبوراً بغير عادته في الانتظار، وادعى إيجاد حلول للناخب الأمريكي حلول أمنية وحلول اقتصادية في ظل تضخم اقتصادي كبير ووضع أمني صعب مع حدود مفتوحة، ومشاكل أمنية عالمية لم يستطع بايدن السيطرة عليها، هناك صراع قيم حول مواضع الحملة بدءاً من المثليين والحق في الاجهاض والهجرة وأزمة الحدود وصراع الهويات الحاد، انتهاءً بالاقتصاد والحرب في غزة وأوكرانيا، فكان ترامب دائماً يلقي سيلاً من الهجمات واللوم على بايدن بموضوع الهجرة والمخدرات، وأنه السبب في سياسة الهجرة التي أتت بمجرمين من أمريكا اللاتينية، واستغل نقاط ضعف بايدن ليضغط عليها لإظهار فشله، وأنه لن يقود أمريكا مرة أخرى إلى الرفاهية، وأن أمريكا انهارت وقل احترامها في العالم في عهده، والعالم انفجر خلال إدارته، فلو كان الرئيس قوياً لما تجرأ بوتين على غزو أوكرانيا، ولما قامت حماس بعملية طوفان الأقصى، (أنت فلسطيني!) توبيخ وجهه ترامب لبايدن لإهانته بمنتهى العنصرية، في محاولة لاسترضاء اللوبي الصهيوني، أليس هو عراب صفقة القرن، ألا تعني صفقة القرن إزالة أي أثر للقضية الفلسطينية، ليشعل فتيل الصراع الملتهب أصلاً في منطقة الشرق الأوسط، ويكون أكثر عوناً لإسرائيل، للاستمرار في سياسات الحرب، والاستيطان وضم أراض جديدة، (لا يعنينا من يكون الامبراطور، سواء بايدن أو ترامب، لا فرق بين بايدن كعراب لإبادة الفلسطينيين عسكرياً، وترامب كعراب لإبادتهم سياسياً).

الشعب الأمريكي بحالة من الاستياء، كان يتوقع أن يكون لديه رئيس أفضل من هذين الخيارين كل منها سيئ، ولكن الأقل سوءاً هو بايدن، بايدن اعتبر ترامب أنه خطر على الديمقراطية، وألقى عليه اللوم في التحديات الاقتصادية التي تواجهها أمريكا، وهذه ربما تكون نقطة القوة الوحيدة لمواجهة بايدن لترامب، بدأت بتورطه في اقتحام الكونغرس عام2021، وكان أول رئيس في تاريخ أمريكا، يعرقل الانتقال السلمي للسلطة، فكانت ضربة قاسية للديمقراطية الأمريكية حينها، ترامب الآن يحاول استغلال كل نقاط ضعف بايدن، وخاصة فيما يتعلق في قدراته العقلية وتلعثمه، للفوز في الانتخابات، أجبرت الديمقراطيين على مواجهة سيناريو لطاما سعوا إلى تجنبه، فهناك محاولات للضغط على بايدن ودفعه للانسحاب بعد هذه المناظرة، لاستبداله بمرشح أكثر شباباً قد يطيح بترامب، خطوة قد تحدث اضطرابات سياسية في الحزب.

المناظرات هامة وليست مصيرية لتحديد نتائج الانتخابات، فثمة ضبابية هائلة ترخي بظلالها على الانتخابات الرئاسية واحتمالاتها، ستؤدي إلى تهديد محتمل للاستقرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وتغييرات كبيرة على السياسة الدولية في السنوات المقبلة، لم يستطع أي من المرشحين حسم النتيجة حتى الآن، وحتماً سنكون مع ترامب إذا بقي بايدن مرشحاً، ولكننا بحاجة إلى رجل غير ترامب، لأنه خطر على أمريكا وعلى العالم، ترامب، بين (أمريكا أولاً)، والحفاظ على موقعها كقطب أعظم وحيد في العالم، و(نظرية الرجل المجنون)، وقدرته على أن تكون هناك حالة عدم تيقن حقيقية لدى الأخرين بما سيفعله، تحدق به الأزمات من كل حدب وصوب، في الشرق الأوربي، والشرق الأسيوي والشرق الأوسط، وللتوصل إلى أي تسوية قد تحتاج إلى حرب كبرى بتداعيات كارثية على سائر القوى، فماذا لو فاز ترامب وبدأت الحرب العالمية من شرقنا؟؟

العدد 1140 - 22/01/2025