سندافع عن الديمقراطية وعن إرادة الشعب البوليفي مهما كان الثمن!

بهذه الكلمات أكد الرئيس البوليفي الاشتراكي، لويس آرسي، وقوفه إلى جانب الشعب الذي انتخبه ليترأّس البلاد، في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2020، وذلك عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي حاولت الإطاحة به قبيل إتمامه العام الرابع في الحكم، وسبقت الانتخابات الرئاسية المرتقبة العام المقبل.

قاد خوان خوسيه زونيغا، الرجل الذي كان قائداً للجيش البوليفي حتى الـ26 من حزيران (يونيو) الحالي، محاولة الانقلاب الفاشلة. دام الانقلاب ساعاتٍ فقط، إذ لم يتأخّر الشعب البوليفي عن الاستجابة لنداء آرسي وسلفه إيفو موراليس من أجل الدفاع عن الديمقراطية في بوليفيا.

ما إن أُعلن بدء الانقلاب، حتى احتشد البوليفيون دعماً لرئيسهم، ونزلوا إلى الشوارع بأعداد كبيرة وتصدّوا للانقلابيين، تمسّكاً بالخيار الديمقراطي الذي اتخذته الأغلبية منهم وجاءت بآرسي رئيساً. وبعد إعلان فشل الانقلاب أيضاً، بقي البوليفيون في شوارع لاباز أمام مقر الرئاسة، وبأعداد هائلة، ليستمعوا إلى خطاب رئيسهم، الذي شكرهم ووجّه التحية إليهم.

الشعب البوليفي إذاً هو من وقف بالدرجة الأولى في وجه الانقلاب، ورفض أن تملي عليه مجموعة انقلابية، مدعومة من الخارج، بديلاً من رئيسه المنتخَب.

وبهذا قطع شعب بوليفيا الطريق أمام الخارج، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، على تنصيب سلطة تكون مطيعةً لها، وحال دون تكرار تجربة كتلك التي أخرجت إيفو موراليس من الحكم ومن بوليفيا كلّها إلى الأرجنتين.

 

موقف أمريكي خجول:

اكتفت واشنطن بتصريح خجول أصدرته سفارتها لدى بوليفيا، أعلنت فيه أنّها (تراقب الوضع عن كثب). وزعمت الولايات المتحدة، التي وقفت طوال عقود وراء الانقلابات ضدّ المناهضين لها في دول أمريكا اللاتينية، أنّها (ترفض أي محاولة للإطاحة بالحكومة المنتخَبة)، مطالبةً بـ(احترام الدستور).

ولم يحظَ الحدث في بوليفيا باهتمام كبير في وسائل الإعلام الأمريكية، بل اقتصر تناوله على مواقع القنوات والشبكات الإعلامية، بحيث نقلته من دون أن تقرنه بأي موقف، مكتفيةً بسرد الأحداث.

لكن يجب الالتفات إلى ارتباط وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الوثيق بالدولة والمؤسسة السياسية لدى مراقبة أدائها، فهي، وإن كانت تدّعي المهنية والموضوعية، تبقى خاضعةً للمصالح الكبرى في تغطيتها الأحداث الحسّاسة، وهو ما أثبتته الحروب والصراعات الكثيرة حول العالم، والتي كان لواشنطن الدور الأساسي في إشعالها واستمرارها.

في هذا الإطار، يمكن القول إنّ غياب الحدث البوليفي عن دائرة الاهتمام في إعلام الولايات المتحدة، يرجع إلى إيعاز من إدارة البلاد بعدم الخوض عميقاً في هذه المسألة، في محاولة لإظهار محاولة الانقلاب على أنّها حدث داخلي بحت، لا ضلوع لواشنطن فيه. لكن التاريخ يعلّمنا أنّ الأسلوب المحبّب للولايات المتحدة، على اختلاف إداراتها، هو الانقلابات وجرّ البلاد إلى انعدام الاستقرار والأمن والفتنة الداخلية.

تاريخها يدينها.. واشنطن هي المتهم البديهي لمحاولة الانقلاب

توقيت الانقلاب لا يترك مجالاً للشكّ في أنّ الولايات المتحدة منخرطة في المحاولة الانقلابية الفاشلة، فهو يأتي قُبيل انتخابات الرئاسة في بوليفيا العام المقبل، وبعد استدعاء القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في البلاد، وبعد عدة مواقف أثبت فيها الرئيس آرسي مناهضته لهيمنة واشنطن على الساحة الدولية.

محاولة الانقلاب حصلت بعد ساعات قليلة على إقالة خوان خوسيه زونيغا، وزونيغا نفسه هو من قادها. هنا أيضاً كان من البديهي أن تُطرح تساؤلات عديدة حول قدرة الرجل على تنظيم مجموعات وحشدها سعياً للإطاحة بآرسي. فهل يُعقل أن يتحرّك بنفسه في غضون ساعات فقط؟ وفي ظلّ الخجل والغموض اللذين يحيطان بالموقف الأمريكي، لا يمكن استبعاد أن يكون البيت الأبيض قد أدى دوراً في المشاركة في الانقلاب.

وبالعودة إلى يوم الاثنين الماضي، أي قبل 3 أيام فقط على الانقلاب، استدعت وزارة الخارجية البوليفية القائمة بالأعمال الأمريكية، ديبرا هيفيا، تعبيراً عن الامتعاض من تصرّفات موظفي السفارة التي تُعدُّ تدخّلاً في شؤون بوليفيا الداخلية، حيث قدّمت شكوى بشأن سلسلة من التصريحات والانتهاكات، مؤكدةً رفضها أي نوع من العمل الذي يشجّع على التدخّل فيها، ما يؤكّد أنّ واشنطن كانت تحيك شيئاً ما ضدّ الحكومة المنتخبة ديمقراطياً.

أما فيما يتعلّق بالانتخابات، فإنّ آرسي وموراليس اليساريين مرشّحان للانتخابات الرئاسية المقبلة. وعلى الرغم من التنافس بينهما في الرئاسة وفي داخل حزب (الحركة نحو الاشتراكية)، سارع موراليس إلى إدانة محاولة الانقلاب، حاثّاً الشعب على الحفاظ على الديمقراطية.

وفيما يتعلّق بما هو أبعد من هذه الحادثة، فإنّ الرجلين يلتقيان على مناهضة هيمنة الولايات المتحدة، ومعارضة تدخّلها في الشؤون الداخلية، والحفاظ على السيادة الوطنية ورفض التبعية.

المصدر: الميادين نت

العدد 1140 - 22/01/2025