الاقتصاد الأخضر.. بين مطرقة التغيّر المناخي وسندان الرأسمالية

فادي إلياس نصار:

تسعى دول العالم الموقعة على (اتفاقية باريس للمناخ)، إلى ابتكار طرقٍ جديدةٍ للحدِّ من الاحتباس الحراري، وتضع الخطط لمواجهة التغير المناخي، فلم تأتِ دعوات الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس)، وطلبه من زعماء العالم، عشية كل قمة من قمم الأرض بشأن المناخ، التي طالب فيها رؤساء وقادة الدول ألا يحضروا فقط لإلقاء الكلمات، إنما بخطة، وأن يقدموا مقترحات بناءة وملموسة حول تحويل اقتصادات بلدانهم إلى الاقتصاد الأخضر (صديق البيئة)، لم تكن إلا جرس إنذار لخطرٍ كبيرٍ يُحدق بالبشرية جمعاء.

ولا يخفى على أحدٍ أنَّ الدول الصناعية الكبرى (الرأسمالية)، هي الملوث الأكبر لهذا الكوكب، ويعلم كل المهتمين بالشأن البيئي وتغير المناخ أنّ الخطر الكبير الذي يُهدد مستقبل الكوكب الأخضر، لم يردع يوماً الرئيس الأميركي (ترامب) من أن يعلن وقوفه ضد اتفاقية المناخ المذكورة أنفاً، حين قال إنَّ الدول الموقعة على (اتفاق باريس للمناخ) تريد شن (الحرب على الفحم)، رافضاً الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون (الاقتصاد الأخضر)، متهماً الحزب الشيوعي الصيني باختصار كذبة تسمى (التغير المناخي) لتوجيه ضربة إلى الاقتصاد الأمريكي.

 

فما هو الاقتصاد الأخضر؟

يصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه: اقتصاد منخفض انبعاثات الكربون، فعَّال في استخدام الموارد وشامل اجتماعياً. وتتضمن سوق العمل الأخضر (النظيف) كل شيء، بدءاً من وظائف ترشيد استخدام الطاقة، مروراً بالوظائف التي تهتم بالابتكار والعمل في نشاطات اقتصادية خالية من (الكربون)، وصولاً إلى وظائف برامج وحملات التوعية التي تساهم في حماية النُظم البيئية والتنوع الحيوي، والحفاظ على كل مصادر الطاقة من خلال استراتيجيات عالية الكفاءة، والحدِّ من إنتاج النفايات، وإعادة تدويرها باستمرار، وتطوير أساليب زراعية تساعد في الحفاظ على التُرب. وأثبتت فكرة الوظائف الخضراء نجاعتها في العديد من دول أمريكا اللاتينية، فمن (البرازيل) التي قامت بدعم مشاريع في مجال الوقود الإحيائي والإسكان الشعبي، إلى (كوستاريكا) التي  نشطَّت الزراعة المستدامة والسياحة البيئية، فجنوب إفريقيا التي دعمت مجالي توليد الطاقة و قطاع البناء صديق البيئة (تجميع الألواح الشمسية وتركيبها)، ومثلها مئات المشاريع الخضراء في القارة السمراء وخصوصاً في المناطق الريفية في (زامبيا)، حيث جرى تدريب النساء على بناء منازلهن باستخدام تقنيات مستدامة، وكذلك الأمر في (كينيا)، (تنزانيا) و(أوغندا)، ومثلها فعلت الصين والهند فدعمت مشاريع  في مجال الطاقة النظيفة، (بناء محطات الطاقة الشمسية، مزارع الرياح، وإعادة تدوير كل أشكال النفايات.. وغيرها).

فيما أخذت مشاريع التوظيف الأخضر الصديقة للبيئة، في الدول المتطورة، أشكالاً أخرى، فبدأت تتوسع فرص العمل إلى ما وراء صناعة الطاقة، وذلك بفضل سلسلة من التقنيات المبتكرة، غالباً بقيادة التكنولوجيا الرقمية.

حتى يومنا هذا، الآراء متضاربة حول إيجابيات هذا النوع من الاقتصاد، فبينما ذكرت منظمة العمل الدولية في تقريرها عن المنظورات الاجتماعية والعمالة في العالم لعام 2018، أنه إذا اتخذت التدابير اللازمة للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما دون درجتين مئويتين، فسيتحقق توفير 18 مليون فرصة عمل جديدة لعام 2030.

بل يتوقعون أن يخلق هذه النوع من الاقتصاد، ستة ملايين فرصة عمل إضافية، وذلك نتيجةً لنمو ما يسمى بـ (الاقتصاد الدائري)، حيث تُعطى الأولوية للإصلاح وإعادة الاستخدام بدلاً من استخدام المنتجات لفترة قصيرة من الزمن.

في المقابل، لا تُنكر الأمم المتحدة حقيقة أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر، سيؤدي حتماً إلى اختفاء ملايين الوظائف، وخاصةً في الصناعات التي تسهم في انبعاث الغازات الملوثة وغيرها من مسببات الاحتباس الحراري.

أمام خطر التغير المناخي الذي يداهم الحياة على الأرض، يعتبر الاقتصاد الأخضر أحد أهم بوابات النجاة، فهل ستنجح الدول الصناعية الكبرى بإغلاقه؟ أم ستتحد شعوب الأرض لفتحه على مصراعيه؟

مَن يعِش يرَ!

العدد 1140 - 22/01/2025