من أجل روسيا.. من أجل النصر
نهلة الخطيب:
خطابات متزامنة للرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل الذكرى السنوية الأولى للحرب الروسية الأوكرانية. خطاب الرئيس الروسي أمام الجمعية الفيدرالية الروسية وخطاب بايدن في اليوم نفسه أثناء زيارته لبولندا رسالة موجهة إلى بوتين مضمونها أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) سيواصل الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا (مهما طال الأمر)، بدا جلياً أن الصراع الحالي هو امتداد للصراع التاريخي الجيوسياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الأوربية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، عندما أرادت روسيا أن تظهر كدولة عظمى أغرقوها بحرب أوكرانيا حتى يبعدوها عن تشكيل قطب منافس للولايات المتحدة الأمريكية في بنية النظام العالمي، الكاتب الألماني غانتر غانس قال: ما يعني الأمريكيين أن يبقوا رقم (1) في قيادة العالم ولو اقتضى تحويله إلى حطام، أمريكا تموت إذا كانت في المقعد الخلفي.
حلّت هذا الأسبوع الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب الروسية الأوكرانية، بعملية عسكرية خاصة أطلقها الرئيس الروسي بوتين في 24/2/2023 التي كانت لها أهداف خاصة حددت 72 ساعة لإنجازها وتلخصت بلجم التهديدات الأساسية المتعلقة بتوسع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو شرقاً من الحدود الروسية والتطور العسكري لأوكرانيا ونيتها الانضمام إلى حلف الناتو. أوكرانيا ما هي إلا أداة سياسية للولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء روسيا وتهديد لأمنها القومي وسيادتها، الذي اعتبره بوتين (خطاً أحمر)، لم تكن خطة بوتين احتلال أوكرانيا كما تدعي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وإنما حماية روسيا وأمنها القومي.
في خطاب بوتين بعيد النصر الـ77 وهو ذكرى الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية، والذي يحظى بمكانة خاصة لدى الروس، عمل بوتين على شحذ الروح القتالية للجنود الروس وحشد جماهيري للالتفاف حول العلم في مواجهة الخطر الذي يهدد روسيا العظمى، كاشفاً نوايا حلف الناتو لشن حرب على شبه جزيرة القرم ودونباس، وأن موسكو اضطرت إلى ضربات استباقية لصد هذا العدوان، كما أن بوتين فتح باب السلام مع أوكرانيا ووجه اللوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية بتصعيد التوترات بين الجانبين.
فُرضت عقوبات اقتصادية خانقة على روسيا، وانسحبت العديد من الشركات الأجنبية وجرى تجميد أرصدة وتحديد سعر البرميل النفطي ولكنها لم تفلح في إيقاف الحرب أو إثارة الرأي العام الشعبي الروسي ضد بوتين، بوتين الذي أقدم على الحرب وهو متأكد من قدرته على تجاوز كل العقوبات ومؤمن بأن الشعب قادر على تحمل تكاليف الحرب الباهظة، فقد قال بوتين في خطاب له في1/1/2023: (إن الذين أعلنوا حرب العقوبات توقعوا التدمير الكامل لصناعتنا وأموالنا، ولكن هذا لم يحدث لأننا أنشانا هامش أمان موثوق به)، الخطاب الذي تضمن مشاعر قتالية ووطنية شكر فيه بوتين الجيش الروسي على بسالته وشجاعته مؤكداً كذب الغرب بشأن السلام، كاشفاً نواياهم بإضعاف روسيا وتقسيمها وتعهد بالتصدي لهم.
منذ بداية هذا العام والدول الأوربية وأمريكا ترسل المزيد من المساعدات المالية والعسكرية إلى أوكرانيا (أسلحة متطورة، صواريخ بعيدة المدى، وقنابل ذكية، ودبابات ثقيلة وطائرات)، إلى جانب تدريبات عالية المستوى لجنود أوكرانيين على استخدام المركبات القتالية والدبابات من طراز ليوبارد 2، الحرب تتجه إلى التصعيد بعد أن أعلنت موسكو التعبئة منذ أشهر، وارتفعت الهجمات الروسية على أوكرانيا وتستعد موسكو لهجوم ربيعي كبير وعنوان التفجير هو شبه جزيرة القرم والتركيز عليها كبير جداً وخاصة بعد تصريحات فيكتوريا نولاند (نائبة وزير الخارجية الأمريكية): (إن استهداف كافة المنشآت العسكرية الروسية الموجودة في شبه جزيرة القرم مشروعة ويجب ضربها، وأن أوكرانيا لن تكون آمنة إذا لم تكن شبه جزيرة القرم منزوعة السلاح على الأقل)، التي صعدت التوتر بين الطرفين بشكل كبير جداً، وكان رد الخارجية الروسية على لسان ماريا زاخاروفا: إن هذه التصريحات تؤكد تورط واشنطن في الصراع وأنها المصدر الرئيسي لإثارة التوتر الدولي، وقدمت زاخاروفا نصيحة لنولاند بطريقة ساخرة: فيكتوريا، اهتمي بالمناطيد البيضاء والأجسام الطائرة الذين يتجولون في الولايات المتحدة الأمريكية بأعداد هائلة، فأنت لست جيدة في التعامل مع هذه الأشياء المجهولة بسرعة وكفاءة، وهل لديك ما تفعلينه في المنزل يا فكتوريا؟؟
ولكن ثمة مسألة لا يفقهها الأمريكيون هي أن الروس الذين دحروا نابليون بونابرت وأدولف هتلر على أبواب موسكو يعتبرون أن الأمريكيين يغزون بلادهم عبر أوكرانيا، وهم يدافعون عن بقائهم وإن كانوا يراهنون على هزيمة القيصر بوتين فثمة أزرار نووية تحت أصابعه، لم يُتخذ القرار بالحروب الكبرى وما يحدث حالياً في أوكرانيا مناوشات عسكرية حامية، وهي مجرد رسائل وإن كانت دموية، والحوار لا يزال بعيداً عن طرفي النزاع وهما روسيا وواشنطن، ولا يوجد هنا دور لأوكرانيا لأن القرار ليس بيدها، فهي فقط حلبة للصراع ولن تنتهي الحرب إلا بشعور روسيا بضعف قدرتها على تحمل تكاليفها الباهظة أو بشعور الغرب بتقدم روسيا على الأرض أو باتساع دائرة الحرب بحرب شاملة يتخذ فيها بوتين قراراً باحتلال كل الأراضي الأوكرانية وإعلان تشكيل حلف عسكري يضم القوى الدولية والإقليمية في مواجهة حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
يُترقب الكثير مما سيتكشف هذا الأسبوع من خطابات منتظرة سيلقيها الزعيمان الروسي والأمريكي.