الولايات المتحدة واستشراء العنف الداخلي

د. صياح فرحان عزام:

هناك حكمة تقول (إن من عاش بالسيف مات به)، وحسب الدستور الأمريكي فإن السلاح وحمله في الولايات المتحدة حقّ دستوري مكفول، ومع تفاقم العنف المسلح في المجتمع الأمريكي، يحتد الصراع بين من يريد أن يقنن حمل السلاح، ومن يريد الدفاع عن حرية اقتناء السلاح بأنواعه المختلفة، حتى السلاح المخصص للحروب، لا للصيد أو الدفاع عن النفس.

وفي تقرير مفصل أوردته الـ(بي بي سي) حول ثقافة السلاح في أمريكا، أشارت إلى أن الموت بالسلاح الناري وصمة ثابتة في الحياة الأمريكية، ويقول التقرير: إن قرابة مليون ونصف المليون إنسان لقوا حتفهم بالسلاح في الفترة بين 1968 و2017، وهذا الرقم أكبر من كل الضحايا الأمريكيين الذين سقطوا في الحروب منذ حرب استقلال أمريكا في عام 1776. ففي عام 2020 سقط نحو 45000 قتيل بسبب السلاح واستخدامه في القتل أو الانتحار، فضلاً عمن جرحوا بسبب توفر الأسلحة وحيازتها من قبل المواطن العادي في أمريكا.

إن توفر السلاح في أيادي الناس أمر مذهل، فمعدل السلاح المتوفر للمدنيين هو ما يزيد عن 120 قطعة سلاح لكل 100 فرد، ثم إن القتل بالسلاح في الولايات المتحدة يتجاوز كل الدول بهامش كبير، كذلك استفحل القتل الجماعي كالنار في الهشيم، وما عاد سماع مثل أحداث القتل هذه الفردية والجماعية تثير الدهشة عند عامة الناس.

إن احتكار العنف الشرعي بالنسبة لأي دولة هو من أهم مفرداتها وخصائصها، وهو حق لا ينازعه عليها أحد، وإذا نازعها أحد، تصبح دولة منخورة من الداخل مثل الدولة التي تسيطر عليها ميليشيات مسلحة كما في الصومال وبعض الدول الافريقية التي تسمى دولاً فاشلة.

وحول انتشار السلاح في أمريكا، نشرت مجلة المصلحة القومية الأمريكية مقالة بعنوان (هل بدأت الحرب الأهلية القادمة)، ويقول الكاتب في مقالته إن ما يبدو أعمال عنف فردية قام بها فرد مسلح أو جماعة متطرفة، ما هي إلا جزء من حركة إرهابية محلية تشكل حرباً أهلية متنامية، والظاهر أن الديار الأمريكية عامرة بالميليشيات المسلحة التي تشكلت تحسباً لما يرونه من تغول السلطات الاتحادية على الحقوق الفردية للمواطنين، وأن الدفاع عن هذه الحقوق واجب ديني ووطني، خاصة ضد ما يسمونه حكومة تقديم التنازلات للأقليات العرقية والمهاجرين من غير البيض، وحرمان أبناء الوطن من كثير من حقوقهم الاقتصادية.

ويقود هذه الجماعات المسلحة عناصر من اليمين المتطرف، يؤمن بتفوق العنصر الأبيض، وهذه الجماعات تتوعد بإرجاع القارة الأمريكية إلى ما تسميها (قارة بيضاء). وتحذر مقالة نشرت في جريدة (واشنطن بوست) بأن الولايات المتحدة على شفا حرب أهلية بين تيارات سياسية لا تتشارك في مجتمع سياسي واحد، فالهجوم على مؤسسات وأفراد الدولة يشير إلى أن القادم خطير جداً، وأن الولايات المتحدة تواجه أصعب ظروفها منذ الحرب الأهلية التي جرت في عام 1861.

وتضيف المقالة، إن شراء الأسلحة تضاعف منذ بداية جائحة كورونا بسبب الخوف من الجرائم وانعدام الأمن العام والشخصي والقلاقل السياسية، وتخشى هذه المجموعات اليمينية المتطرفة من التغيير الديمغرافي وتحول الولايات المتحدة إلى دولة متعددة الأعراق والثقافات وتأثير ذلك كله على مستقبل الأمريكيين.

مثل هذه التحذيرات أصبحت كثيرة ومنتشرة بشكل واسع، فهل تصبح أحداثاً حقيقية؟

 

العدد 1140 - 22/01/2025