في ظل غياب الرقابة التموينية.. المواطن بين مطرقة الغلاء وسندان الأزمة!
رمضان إبراهيم:
يمكننا القول إن الأزمة التي فرضها شذّاذ الآفاق مازالت تمضي إلى الأمام على شكل استنزاف عسكري واقتصادي، والبلاد ما زالت تموج بين مدّ وجزر، والمواطن المعتّر ينام ويستيقظ على خبرٍ أو همّ قديم!
المواطن المسكين الذي أرهقته الأزمة وما رافقها من غلاء وارتفاع في أسعار الكثير من المواد بنسب كبيرة جداً، وصلت أحياناً إلى خمسة عشر ضعفاً، لم يعد يستطيع حمل قشة مادامت تلك القشة قد قصمت ظهر بعير ذات يوم، فكيف بظهر مواطن يلدغه الغلاء كل صباح وكل مساء؟!
نعلم حجم الضغط علينا من الخارج وضغط الأحداث من الداخل، ولكن هل يمكن أن نعفي الدولة من مسؤولياتها في مراقبة الأسواق والأسعار، وبالتالي ضبطها إلى حد ما وعدم التلاعب بها، وقيام الدولة بطرح المزيد من المواد القابلة للاحتكار في صالاتها ومراكزها، والقيام بحملات توعية يتم من خلالها تنبيه المواطن إلى عدم الوقوع في الهلع والخوف، وبالتالي تكديس الكثير من المواد في البيوت؟ هذا هو ما بحثنا عنه طيلة السنوات العجاف المنصرمة!
اللاّفت هذه الأيام هو أن العديد من التجار قد حفظوا نغمة واحدة وباتوا يردّدونها في وجه من يحتج على زيادة التسعيرة، تتلخص بأن الدولار قد ارتفع وغير مستقر إضافة إلى قانون قيصر وهذا ما يجعلهم في قلق دائم.
والعجيب الملاحظ بهذا الخصوص هو أن قسماً من التجار – تجار الأزمة – ما إن يتعوّد المواطن على التسعيرة الجديدة حتى تُطرح المادة بكميات كبيرة في السوق، وهذا ما حدث فعلاً بمواد كثيرة كالسكر والمنظفات أو المتة أو علبة التبغ الحمراء القديمة أو حتى أسطوانة الغاز التي كانت شبه مفقودة إلى أن ارتفع سعرها بشكل تدريجي لدى المعتمد فأصبحت متوفرة، وبكثرة!!
عدد ممن التقت بهم جريدة (النور) من المواطنين برّر السكوت على جشع بعض التجار بأن الحاجة إلى المادة هي الدافع وراء سكوتهم، بل وتوسلاتهم للتاجر المحتكر كي يؤمّنها لهم، فيما يرى آخرون أنه لو بحثنا عن الرقابة التموينية وعن حماية المستهلك وما إلى ذلك من منظمات وهيئات ومديريات حكومية أثبتت فشلها وعدم قدرتها على ضبط حركة السوق لما وجدنا لها أي أثر أو فاعلية على الأرض بشكل واضح ومؤثّر.
فـ(التموين) يحتج بأن عدد عناصره غير كافٍ على تغطية السوق (كما أوضح لي مدير تموين طرطوس في أكثر من لقاء) وهنا نتساءل عن السبب الذي يمنع من رفد التموين بعناصر جديدة، ليتمكنوا من القيام بجولات مفاجئة على الأسواق؟!
وهناك من عبّر لنا عن استيائه من تقاعس الحكومة في إيجاد مخرج سريع للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وحمّل الوزارات المتعاقبة مسؤولية الفشل في ذلك واتهمها بضعف الأفق والنظر وسعيها إلى إصدار قرارات ارتجالية تراجعت عن معظمها أو تناستها لأن الغلاء الفاحش قياساً بالرواتب قد حوّل حياة هؤلاء إلى جحيم!
عند زيارة عدد من تجار المفرّق والجملة تباينت الآراء وتعددت الأسباب – من وجهة نظرهم – لأزمة الغلاء، فقد تحدث أحد تجار الجملة السيد عيسى عن أن سبب الأزمة يعود إلى تحكّم المستورد بالسوق وبسعر المادة. فهؤلاء الذين قاموا بتكديس البضائع في مستودعاتهم وامتنعوا عن طرحها للمستهلك، وكما تعلم – يضيف التاجر- فإن غياب المادة وحاجة المواطن لها يجبره على شرائها بأضعاف مضاعفة. وعندما سألناه عمّا إذا كانت الأزمة حقيقية أم مصطنعة؟ أجاب بأنها بين بين، أي أن الأحداث أثّرت، وبالمقابل البعض لعب دوراً قذراً فيها من خلال احتكاره للسلع والبضائع في مستودعاته. أما من جهة أنها حقيقية فهذا يعود لارتفاع سعر الدولار وهذا يفرض زيادة على التسعيرة. وعند السؤال عن الفاتورة في ظل غياب التسعيرة النظامية أفادنا تاجر آخر بأن موزع الجملة لا يعطيه فاتورة، وعندما يسأله عن التبريرات في حال جرت مساءلته من قبل التموين فإن الجواب هو (دبّر راسك!).
السيد ياسين (قصّاب) تحدث عن معاناته في الذهاب إلى حمص أو حماة، فهو يحصل على الذبائح من هناك، وبسبب عدم تأمين المازوت أو غلاء ثمنه وفق أسعار السوق السوداء لم يعد قادراً على الذهاب إلى هناك، وبالتالي وجد نفسه مضطراً أن يقبل بالسعر الذي يفرضه عليه التاجر الذي سيورّد له الذبائح من هاتين المحافظتين، بحجة أن الطريق غير آمنة وأنه يدفع للحواجز! وعند السؤال عن حركة الشراء لم يُخفِ انزعاجه من الأوضاع التي أثرت على البلاد بشكل عام واصفاً الحركة بأنها قليلة.
السيدة ربا (صاحبة مخبز معجنات وحلويات وبوظة) تحدثت عن مفاعيل الأزمة وأثرها النفسي على المواطن الذي لم يعد يجد الوقت المناسب للخروج، فمعظم الناس في بيوتهم بانتظار المجهول.. أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار السكر التي زادت أضعافاً مضاعفة والنايلون وحتى الورق والطحين أيضاً كل هذا أثر على حركة البيع وسبب زيادة في الأسعار!
السيد خضر مصطفى (صاحب محل لبيع الفروج) تحدث عن سبب زيادة سعر الفروج بالقول إن الفروج يتأثر دوماً بالعرض والطلب، أضف إلى ذلك توقف بعض المداجن عن الإنتاج وارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب غلاء الأعلاف، كلّها أثرت على السعر، وطالب الجهات الحكومية المعنية بتثبيت سعر الفروج بما يضمن حق الدولة وحق المربي والبائع، وبما لا يرهق كاهل المواطن!
في النهاية
الأزمة التي تعصف بالبلاد أثبتت العجز في العديد من مفاصل الدولة على مختلف النواحي، وهذا لا شك يدفعنا للتساؤل عن محاسبة المسؤولين عن ذلك! أضف إلى هذا غياب الدور الفاعل والحقيقي لأجهزة الرقابة من تموين وحماية مستهلك وما إلى ذلك من العناوين البرّاقة التي أفرغها الفساد الوظيفي من مضمونها.
في انتظار محاسبة المقصرين والفاسدين، لسان حال المواطن سيبقى يقول: اللهمّ نجّنا من الأعظم!!