كيف يدير أوباما الأزمة في سورية؟!

من المعروف أن باراك أوباما انتُخب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في عام ،2008 بعد وعوده بأن يُوقف حروب بلاده ضد الآخرين، كما كان يفعل سلفه جورج بوش الابن، وبناء على تلك الوعود، سحب جنوده من العراق، وأبقى تحت الوضع الأمني المتدهور وضغوطه نحو عشر آلاف جندي في أفغانستان، وامتنع عن تنفيذ تهديده لسورية، عندما اتهمها باستعمال السلاح الكيميائي، إلا أنه استعمل القوات الجوية الأمريكية في ضرب ليبيا وإنهاء حكم الراحل معمر القذافي فيها وتركها هو وحلفاؤه الغربيون نهشاً لأنياب الميليشيات المسلحة المتعددة المشارب والولاءات للاستخبارات الغربية والقطرية والتركية وغيرها.

ولكن تطورات الحرب على سورية من قبل الإرهاب، خاصة تمددات تنظيم داعش في أراضي العراق، أجبرته على إعادة حساباته في الشرق الأوسط، بعد أن كان قد قلل من اهتمامه بالمنطقة في أعقاب التعنت الإسرائيلي وفشل مبادرة وزير خارجيته جون كيري في تضييق الهوة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

إن توسع تنظيم داعش الإرهابي في العراق دفع أوباما إلى إرسال مساعدات وخبراء عسكريين إلى العراق لمنع إيران من ملء الفراغ الذي ظهر حسب تصوره بعد تعثر الجيش العراقي في التصدي لداعش.. كذلك عمد أوباما إلى تشكيل تحالف دولي مع دول أوربا الغربية وعرب الخليج بزعم محاربة داعش، مع تأكيده أن القضاء على هذا التنظيم لن يتحقق قبل ثلاثة أعوام، أي عندما يصبح للعراق جيش متوازن ومقاتل على حد تعبيره.

بمعنى آخر، أصبحت ضربات هذا التحالف المنقطعة وغير الفعالة في العراق وسورية لا تهدف إلى إنهاء داعش، بل إلى إضعافه واحتوائه ومنعه من تشكيل خطر ملموس على دول التحالف الغربية والخليجية خاصة، وعلى وحدات حماية الشعب الكردية.. وبدا واضحاً للجميع كأن التحالف يريد الإبقاء على تنظيم داعش في مواقعه الجغرافية التي سيطر عليها في سورية والعراق، لاستمرار الفصل بين إيران والعراق من جهة، وسورية من جهة أخرى، تلبية لرغبة سعودية – قطرية -خليجية بشكل عام. إلا أن الدخول الروسي على خط التصدي الفعلي للإرهاب في سورية، الذي فاجأ كل دول التحالف، أحرج واشنطن بقصفه الجوي الفعال والمستمر، لا لداعش فقط، بل أيضاً لجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سورية، وأحرار الشام وغيرها من المنظمات الإرهابية المتفرعة أساساً عنهما، وقد فاق عدد الغارات الجوية الروسية اليومية في أسابيعها الأولى عدد الغارات التي يقوم بها التحالف خلال شهر كامل، الأمر الذي أنهك التنظيمات الإرهابية، وأدى إلى فرار المئات منهم إلى خارج سورية أو إلى الرقة، وأفسح في الوقت نفسه المجال للجيش السوري للتقدم في الكثير من المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون واستعادة أكثر من مئة قرية ومزرعة، خاصة في الشمال السوري من دون كلفة بشرية تذكر.

ومما يجدر ذكره أن بعض الصحف الأمريكية نقلت أنباء عن رسميين ومحللين وسياسيين منهم وزير الخارجية في سبعينيات القرن الماضي هنري كيسنجر، ادّعوا فيها أن أهداف روسيا من التدخل العسكري في سورية هي المحافظة على القيادة السورية الحالية، وإرساء وجودها في البحر المتوسط من خلال إقامة قاعدتين بحرية وجوية، تشكلان الفرصة الاستراتيجية والتاريخية للوجود الروسي في المياه الدافئة، وضرب التنظيمات الإرهابية ضمن التنظيمات الإسلامية المتطرفة، خاصة منها تلك التي من أصول روسية واستئصالها، وتثبيت الدور الروسي في عمليات الحرب والسلام في الشرق الأوسط، وإمكان إقامة حلف مع إيران والعراق وسورية حزب الله (حلف الأربعة +1)، وأخيراً إمكانية التنسيق بين هذه الدول بشأن تصدير البترول والغاز إلى أوربا.

وتستمر إدارة أوباما في إصرارها على تنفيذ عملية انتقال سلمي للسلطة في سورية، لا يكون فيها مكان للرئيس الأسد (حسب زعمها)، ويكون وجوده فيها هامشياً من دون صلاحيات، وتستمر أيضاً في دعمها لما تسميها (معارضة معتدلة)، ولو أن هذه المعارضة تعاونت مع جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سورية)، علماً بأن الولايات المتحدة صنفت جبهة النصرة هذه ضمن لوائحها الإرهابية.

في غضون ذلك تستمر حكومة السفاح أردوغان في تشجيع هجرة السوريين إلى أوربا الهاربين من بطش تنظيمَيْ داعش والنصرة الإرهابيين وممارسات، بهدف دفع الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين إلى الموافقة على قيام منطقة عازلة في الشمال السوري تكون تحت هيمنة أردوغان ليضمّها لاحقاً إلى تركيا، لأن أطماع أردوغان في الشمال السوري لم تعد خافية على أحد، فهو الذي أوعز بتدمير حلب وسرقة معاملها ونقل آلاتها إلى تركيا، وهو الذي يساعد داعش على سرقة الآثار السورية وتسويقها لبيعها في أمريكا وأوربا، إلا أن تدفق اللاجئين السوريين إلى أوربا وفقاً لمخطط أردوغان وغاياته، التي أشرنا إليها قبل قليل، دفعت الدول الأوربية إلى الضغط على واشنطن للتفتيش عن توافق سوري يوقف هذه الهجرة التي تعدها أوربا تهديداً لهويتها، وإن كانت بعض دولها تعدها عاملاً مساعداً لاقتصادات القارة العجوز من حيث تأمين اليد العاملة الرخيصة.

ومما يؤسف له أن تحالف واشنطن المشبوه للحرب على الإرهاب، ورغم أنه لم ينجز شيئاً يذكر في محاربة داعش وتركها تتمدد وتصبح أكثر قوة من السابق، عاد مؤخراً ليضم النصرة وتنظيمات إسلامية متطرفة أخرى إلى ما يسميها (معارضة معتدلة)، والهدف من ذلك واضح، وهو إدامة الأزمة في سورية لسنوات أخرى قادمة، ما يتيح لواشنطن مواصلة إدارة هذه الأزمة واستثمارها لصالحها.

والجدير بالذكر أن الجهود الروسية باتجاه حل الأزمة السورية سياسياً أثمرت عن انعقاد اجتماع فيينا الأخير الذي ضم 17 دولة، والذي صدر عنه بيان يتضمن عدة نقاط أبرزها:

* اتفاق المجتمعين على الحفاظ على وحدة سورية واستقلالها وصيانة أراضيها.

* أن تبقى مؤسسات الدولة السورية قائمة.

* تسريع الجهود لإنهاء الإرهاب الموجود فيها.

* الاتفاق على هزيمة داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية.

* توجيه الدعوة لجميع المكونات السورية والمعارضة لمناقشة بدء عملية سياسية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تقود إلى إقرار دستور جديد، ثم إجراء انتخابات حرة في البلاد.

* الاتفاق – وهذه نقطة هامة- على أن سورية هي التي تملك قيادة هذه العملية السياسية، وعلى أن الشعب السوري هو الذي يحدد مستقبله.

بطبيعة الحال، كان هناك أصوات نشاز ومتطرفة من قبل السعودية وفرنسا تحاول عرقلة الوصول إلى أي اتفاق حتى حول النقاط السابقة، إلا أنه أمكن تجاوزها من قبل المجتمعين.

باختصار، لن تكون سورية لقمة سائغة لأمريكا وحلفائها وعملائها من الحكام العرب، بفضل مساعدة الأصدقاء، وفي مقدمتهم روسيا وإيران وغيرها من الدول، خاصة أن الشعب السوري وجيشه صامدان في وجه كل محاولات تدمير الدولة السورية وإسقاطها

العدد 1140 - 22/01/2025